مثل دول العالم وموقفها من ميليشيات إيران «ماعش» وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، مثل سمسار يبيع الأغنام أخذ عنزين من شخصين مختلفين ليبيعهما، وكان للسمسار موقف مسبق من كلا الشخصين، فأخذ العنز الأولى وبدأ ينادي بها ويقنع الناس على أنها نوع نادر من أنواع الغزلان، أما الثانية فسوقها على أنها عنز جرباء لا تصلح إلا للذبح، هكذا وبهذه الطريقة يتحدث الإعلام العالمي عن الميليشيات الشيعية التي تنشط في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، وعن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
يبدو أن الإعلام العالمي الذي تسيطر عليه الصهيونية العالمية ومن وراءه دول العالم، موقفه من أعمال العنف يتوقف على نوع الجماعة التي يصدر منها وتبعيتها، وليس العنف نفسه وما ينتج عنه، ففعل واحد كالخطف والقتل والحرق يصدر من جهتين مختلفتين في العقيدة والتوجه، يحسبه الإعلام والساسة على إحداها إرهاباً لا بد من مقارعته وحمل العالم على إدانته وقتاله، بينما يحسبه على الآخر عملاً طبيعياً لا يستحق الوقوف عنده طويلاً ويجب إهماله إعلامياً، مع أن كلا العملين ينتج عنهما الأثر نفسه.
حدثان متشابهان حصلا الأسبوع الماضي تعامل العالم معهما بردة فعل متباينة؛ أحدهما قتل 21 مصرياً مسيحياً في ليبيا على يد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» كما ذكر الإعلام، فلم تبق دولة ولا منظمة عالمية إلا ودانت الحادث، وذهبوا أبعد من ذلك وهم يخططون لعمل جديد في ليبيا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، والحدث الآخر هو قتل شيخ قبيلة «سني» وهو الشيخ قاسم سويدان الجنابي، الذي اختطفته الميليشيات الشيعية في جنوب بغداد مع نجله وابن أخيه النائب في البرلمان العراقي وسبعة من حراسهم، وأطلقت سراح النائب بعد إهانته وضربه واقتادت الآخرين لجهة مجهولة لتعدمهم جميعاً بعد دقائق أو ساعات قليلة، فلم يتحرك العالم تحركه على إعدام المصريين الذين قتلوا على يد «داعش»، ولم نسمع إدانة من دولة على هذا الفعل أو مطالبة بملاحقة هذه الميليشيات، وأكثر من ذلك فهذه الميليشيات تقتل العشرات يومياً وتحرق قرى بأكملها وتفجر المساجد ولا صوت لأي دولة أو إعلام.
لحساب من تلمع صورة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران وهو سوداء قاتمة ويغض الطرف عن محاسبتها، ويسلط الضوء على صورة «داعش» وتبرز أعمالها ويطالب بملاحقتها؟ بل يستعان بالأولى لقتال الثانية، الواضح لغاية الآن هو أن أمريكا والغرب يريدون صراعاً طويل الأمد في المنطقة تحدث فيه مجازر كبيرة، والميليشيات على الرغم من إجرامها إلا أنها أضعف بكثير من تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وهذا التباين في الموقف من الاثنين القصد منه تقوية الميليشيات الإيرانية ودعمها ليبقى الصراع قائماً، أما سبب الحفاظ على صراع طويل فيعود لوضع جديد في المنطقة ترسمه أمريكا ومن معها، لا يمكن القبول به في الوقت الحالي إلا بعد أن تنهك المنطقة لتقبل بعدها بأي شيء وتعتبره فرصة ومنحة.