منذ فترة ليست بالقصيرة تحدث أمور كثيرة بشكل متقصد وممنهج باتجاه إما اختطاف تاريخ البحرين القديم والحديث وإما تحريفه وتشويهه.
لم يتوقف الأمر عند هذا وحسب؛ بل أن هناك مسؤولين وجهات إعلامية تتعمد تغيير مسميات المناطق، أو إلحاق المناطق بأخرى على خلفية هوية المنطقة، خاصة بعد أكبر مشروع في وزارة البلديات، وهو مشروع امتدادات القرى الذي جعل القرية الصغيرة تزحف وتتمدد بتراخيص مباركة من الوزارة.
تحريف التاريخ واختطافه كان يحدث منذ صغرنا من خلال الكتب والمقالات والندوات، كذلك من خلال بعض المدرسين الذين كانوا يتعمدون إيصال معلومات مغلوطة من أجل إلصاقها بذهن الطالب على أنها حقيقة مسلم بها.
وأيضاً من خلال نشر هذا التحريف على أنه حقيقة في الشبكة العنكبوتية، ومن خلال موقع «ويكيبيديا» ليصبح هذا التحريف حقيقة واقعية أمام الغرب وأمام كل من يبحث عن المعلومات في الإنترنت.
كل هذا يحدث أمام الجميع، والجميع يدرك ويعلم، بينما هناك جهات كثيرة ذات شأن تقف متفرجة أو أنها تسكت عن هذا التشويه خوفاً على المناصب أو اتقاء لشر من يحرفون التاريخ.
أمس الأول عرضت الصحيفة الصفراء ملف الدعارة في البحرين، وقد كان الأمر مقززاً لكثير من أهل البحرين، فأهم سؤال يمكن أن يطرحه أي بحريني هو؛ ما الهدف من نشر تاريخ مشوه أو محرف أو غير دقيق في هذا التوقيت عن قضية مقرفة مقززة؟
ماذا يقدم هذا الملف للقارئ أو لجيل الشباب؛ أو للقارئ من خارج البحرين؟
أما الأسئلة الأخرى فهي؛ هل كان الهدف من هذا الملف أن توصم الدعارة بمناطق وفرجان بحرينية عريقة، وبالتالي يشوه ذلك سمعة هذه العوائل التي كانت تقطن في المنامة؟
وردتني أمس اتصالات من عائلات بحرينية عريقة لها تاريخ عريق وأبناؤها وصلوا إلى مناصب عليا في البلد، وهم في الأصل من فريج «بوصرة»، وهو فريج يفصله شارع عن مناطق ذكرت في الصحيفة الصفراء على أنه هو أيضاً (فريج بصرة) مكان به ممارسات معينة.
وردت في ملف الصحيفة الصفراء هذه العبارات (وأعتذر للقارئ عن الألفاظ والمسميات والأسلوب) العبارة تقول: «كان العدد الأكبر من القوادين بحرينيين، غير أن ذلك لم يمنع وجود قوادين من بلدان خليجية أخرى، كنت تجد الكثير من القوادين الخليجيين أيضاً ممن يقدمون الشذوذ (تقديم المتعة للغير)»..!
ماذا يمكن أن يقول أي إنسان عن هذه الجمل وهذا الأسلوب وهذه التوصيفات؟
هل من ينشر هذا التحقيق صحيفة بحرينية؟
هل هي محترمة؟
فقد ألصقت أقدم مهنة بالبحرينيين؛ فماذا يقصد من وراء ذلك؟
ما الهدف من هذا الملف؟ هل هو ملف مشرف للنشر بالصحافة التي تدخل البيوت وقد يقرأ ذلك الصغار، وأيضاً ينشر هذا التحقيق في وسائل التواصل؟
هل الهدف هو إلصاق كل هذه الأمور بفرجان وبالتالي يقصد من وراء ذلك إلصاقه بفئة من الناس؟
أيضاً وردت عبارة مسيئة للأسر البحرينية في فريج بوصرة فقد ورد: «كان العدد الأكبر من بغايا حي بوصرة هن بحرينيات اللواتي يجئن من بيئات فقيرة ومعدومة من قرى ومدن البحرين المختلفة»!
فماذا يفهم من هذه العبارات؟
ولماذا يلصق البغاء بفريج «بوصرة» بينما المنطقة المعنية بالبغاء يفصلها عن الفريج شارع معروف؟
بعد قضية قناة العرب خرج رئيس تحرير إحدى الصحف يتباكى على سمعة البحرين!
فماذا يسمى ما نشرته (صحيفة) تقولون أنتم عنها إنها محترمة ورصينة؟
كل من اطلع على هذا التحقيق قال إن هناك أبعاداً وأهدافاً واضحة من هذا الطرح في هذا التوقيت، كما أن هناك توصيفات بين السطور تلمح وتصف وتلصق الممارسات بفرجان وأحياء، حتى أن أحد الأخوة علق على موضوع «أن القوادين من البحرين والخليج»؛ أن هذا يهدف إلى إلصاق كل ذلك بمن يسكن في البحرين والخليج من العوائل العربية.
وإذا كانت الصحيفة التي نشرت عن الدعارة أن تشخص على حد تعبيرهم تاريخاً أو شيئاً من هذا القبيل كتبرير لما نشروه، فلماذا لا تنشرون عن تاريخ البغاء وما حدث في خيام الدوار؟
استعرضوا ما حدث في الخيام هناك، وكيف تم ذلك، ومن أجل ماذا يذهبن الفتيات والنساء لبعض الخيام، ومن أفتى لهم بذلك؟
يقول لي رجل من الثقات ممن حرروا تقاطع الفاروق إن الأمور التي وجدوها ملقية على الأرض، وكلها تستخدم في العملية الجنسية، لا تعد ولا تحصى، كما أنهم وجدوا ملابس نسائية فاضحة، ووجدوا قوائم لأسماء وأرقام فتيات للمتعة الجنسية، ووجدوا أموراً أخرى لا أريد ذكرها هنا، كلها تشكل فضائح لما كان يحدث هناك، خاصة أنها منطقة خارجة عن سيطرة الأمن.
ألا ينبغي أن تكتب الجريدة المحترمة والرصينة عما حدث في خيام الدوار من باب استعراض التاريخ؟
هل تريدون أن نذكركم بتاريخ مفضوح يعرفه أهل البحرين عن تاريخ ممارسات تحدث حتى اليوم ويسبغ عليها صفة الدين؟
حين كنت رئيساً لقسم المحليات بصحيفتنا «الوطن»، جاء صحافي ولديه ملف عن الدعارة بالبحرين، وكان يريد نشره في الصحيفة؛ غير أن إدارة التحرير رفضت ذلك رفضاً قاطعاً.
هذا الصحافي ذهب إلى صحيفة أخرى، وأعتقد أن ما نشر في الصحيفة الصفراء تحت اسم غير معروف في الوسط الصحفي ربما كان ذات الملف الذي كان لدى ذلك الصحافي، وأعتقد أن لدى صحيفة «الوطن» نسخة من هذا الملف.
أحد قاطني فريج «بوصرة» أخبرني أن هناك اتصالات للعوائل من الفريج (سنة وشيعة) تريد أن تتخذ إجراءات قانونية ضد ما نشر، وإن كان هذا صحيحاً فهو من حق أي متضرر أن يتخذ ما يرى.
أعتقد أن ما يمارس من تحريف واضح فاضح للتاريخ البحريني أمر خطير وغير مسبوق، ويحدث أمام مرأى ومسمع الكثيرين، خاصة الجهات التعليمية كوزارة التربية والتعليم، وجامعة البحرين، والمؤسسات الوطنية التي تعنى بالتاريخ والتوثيق؛ كجمعية تاريخ وآثار البحرين أوالمكتبات الوطنية الأخرى أو الصرح الوطني.
من هنا فإن على الدولة بجميع مؤسساتها، كل حسب اختصاصه، أن تضع حداً لكل هذا التحريف والتزييف لتاريخ البحرين، وهي قضية خطيرة جداً، خاصة أن أغلب هذه المؤسسات لا تنشر الحقائق في مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع المعلومات العالمية.
في زمن الانحطاط ليس مستغرباً أن ترى ذلك ممن امتهن الانحطاط وامتهن الكذب والتدليس والتحريف..!