قيل إن الشيطان يكمن في «التفاصيل»، غير أن الشيطان يكمن في كل شيء اليوم، فحين طالب مجلس النواب بمعرفة تفاصيل برنامج عمل الحكومة خلال مناقشات البرنامج بين النواب والحكومة، ظهرت تفاصيل مرعبة ومخيفة بالنسبة لنا.
فقد نشرت صحيفة «الأيام» يوم الأحد الماضي في نصف صفحة، تفاصيل برنامج عمل الحكومة لأربعة أعوام قادمة، وأظهرت هذه التفاصيل أرقاماً مخيفة تصب في ميزانية هيئة الثقافة.
وإن كان هذا برنامج عمل الحكومة لأربعة أعوام للثقافة بهذه الأرقام المليونية، فليسمح لي الجميع لا يوجد حس وطني في تخصيص هذه الملايين في هذا التوقيت على أمور تكاد تكون «ترفيه» و»استعراضية» بمعنى الكلمة.
حين نطالب بتخصيص مبالغ لوزارات خدمية أو زيادة للرواتب أو للمتقاعدين، أو تخصيص مبالغ أكثر لبعثات وزارة التربية النوعية (وهذا هو الاستثمار الحقيقي للمستقبل) يقال لا توجد ميزانيات، الدولة عليها ديون تفوق الـ 5 مليار دينار، ناهيك عن الفوائد السنوية على هذه الديون..!
كيف لا تصبح لدى الدولة ملايين للأمور الضرورية والمعيشية وتظهر الملايين للاستعراضات والحفلات و«تاء الشباب»؟!
خذوا هذه الأرقام التي نشرت (والتي أثارت حفيظة الناس في التواصل الاجتماعي) والتي تقدم بها وفد الحكومة إلى النواب فيما يخص الثقافة:
61 مليون دينار «دينار» لتطوير البنية التحتية لقطاعات هيئة الثقافة (بعد بنية تحتية، كل مكان تطلع لنا بنية تحتية.. وش السالفة ليكون احنا اليابان بعد الحرب العالمية)؟
61 مليوناً مرة وحدة، سبحان الله فجأة تطلع ملايين في الميزانية ما ندري من وين..!
40 مليون دينار لأبعة أعوام من أجل متحف الفن الحديث! طيب؛ هذا يعني متحف الفن القديم معناة موجود (أنا ثقافتي على قدي، الفن الحديث شنو يطلع الله يسلمكم)؟
بحساب بسيط؛ 40+61 يطلع 101 مليون دينار فقط للبنية التحتية ولمتحف الفن الحديث!
كل ما سبق في جهة والذي سيأتي في جهة أخرى، فقد خصص مبلغ 48 مليون دينار لأربعة أعوام من أجل العروض الموسيقية، مما يعني أن 12 مليون دينار سنوياً للعروض الموسيقية..!!
11 مليون دينار لإنشاء مبنى خاص بهيئة الثقافة..!
طيب 61 مليوناً كانت للبنية التحتية، لماذا لا يشمل مبنى الهيئة، أيضاً 11 مليوناً لمبنى؟
4 ملايين و800 ألف لمهرجان ربيع الثقافة، كما تم تخصيص 4 ملايين دينار لأربعة أعوام لصيانة الأجهزة التقنية للمسرح الوطني، كما تم تخصيص مبلغ 5 ملايين دينار لإنشاء متحف عالي!
ناهيك عن ميزانية مهرجان «تاء الشباب» 600 ألف دينار سنوياً!
كل هذه الملايين التي اطلعنا عليها ضمن برنامج عمل الحكومة لأربعة أعوام قادمة، ألا تستدعي التوقف عندها؟
أليس هذا ترفاً فاحشاً في زمن الفوضى والإرهاب، وفي زمن يجب أن نحافظ فيه على كل دينار؟
ألا يوجد رجل رشيد يقول لمن خصص هذه المبالغ أو لمن طالب بها إن هناك أموراً معقولة، وهناك أموراً كثيرة غير معقولة؟
نحترم كثيراً الشيخة مي بنت محمد رئيسة هيئة الثقافة، وأنا شخصياً لا أرى الأمور بعين واحدة، كثيراً ما أشدنا بمشاريع الشيخة مي في المحرق والمنامة والعدلية، فقد كانت مشاريع جميلة بعيداً عن كلفتها، لكن من الواجب علينا أيضاً أن نقول للأمور غير المعقولة في هذا الزمن إنها غير معقولة وغير مقبولة وغير منطقية.
العالم يموج بالإرهاب وبالقتل وبالاختلالات الأمنية والظروف الصعبة جداً في كل مكان، ونحن نخصص ملايين الدنانير لنحرقها على حفلات موسيقية لفرق تأتي من الخارج، هذا أمر غير مقبول.
إن كانت هذه التفاصيل قد وصلت لمجلس النواب فإن على المجلس أن يقول كلمته بخصوص المبالغ الكبيرة التي تخصص لمثل هذه الأمور.
في مثل هذه المحن سوف أعطي 61 مليوناً لقوة دفاع البحرين، علهم يشترون أسلحة نوعية يحتاجها الجيش، أو أخصصها للإسكان والتعليم والصحة، ملايين تضيع في الميزانية بسبب المجاملات هذا غير مقبول وغير معقول، لا تفتحوا علينا أبواباً في الزمن الصعب والخطر والمتقلب.
هذا التوقيت الحساس من الأحداث العالمية والإقليمية يحتم علينا مراجعة خططنا وبرامجنا، نعاني من الإرهاب منذ سنوات، ولو كان بيدي لخصصت ملايين الحفلات «والردح» لوزارة الداخلية حتى يزود رجال الأمن بأفضل تقنية تحفظهم من حرب القنابل المتفجرة.
لو كنا نفكر بشكل إيجابي لخصصنا الـ 101 مليون مثلاً لإقامة مشاريع سياحية نوعية تجذب الخليجيين لزيارة البحرين، بدل أن نسمع منهم «وش عندكم بالبحرين غير المجمعات»؟
صحيح لدينا فقط مجمعات ومطاعم، وهذا متوفر في بلدانهم بشكل أفضل مما لدينا!
السياحة هي استثمار في الاقتصاد ولها مردود على كل القطاعات التي تنمي مداخيل الفرد والحكومة، لكننا حتى الساعة نضع الميزانيات ونخصص بعض الأرقام بطريقة المجاملات، وهذا لا يبني بلداً ناهضاً ولا يدعم خطط التنمية المستقبلية.
قد يقول من وضع البرنامج إن هذه الميزانية خصصت على أساس أن الثقافة تتبع السياحة في نفس الهيئة (وهذا لم يحدث) غير أننا لم نقرأ إلا مشاريع للثقافة.
نحتاج لوقفة حقيقية مع النفس، انظروا ماذا يجري حولنا ونحن نحرق الملايين في غير ضرورة، ولا يحتاجها المواطن كضرورة، بينما الأمور الضرورية تعاني من نقص في الميزانيات.
نقول لمن بيده القرار إن كانت هذه الأرقام حقيقية لأربعة أعوام قادمة، فإن هذا غير مقبول وغير منطقي ولا يمكن تبريره إطلاقاً، من أجل ذلك عليكم إعادة الحسابات سريعاً قبل تقديم الميزانية للنواب، البحرين في هذا التوقيت تحتاج لرؤية وطنية مختلفة، الأرض تموج بالأحداث والأزمات والكوارث، نرجوكم ضعوا هذه الملايين في مكانها الذي نحتاجه كدولة ووطن وشعب، هناك شيء اسمه فقه الأولويات، وهذا باب كبير، أعتقد أننا نحتاج إلى فقه الأولويات في هذا التوقيت الخطر لنضع الملايين في مكانها الصحيح، هذه رسالتنا مع فائق احترامي لرئيسة هيئة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ولمشاريع (الثقافة).
** رذاذ
أحداث القتل البشع التي جرت وشاهدناها؛ بدءاً بحرق الطيار الأردني مروراً بالأقباط المصريين، هذه الحوادث لا يمكن أن يفعلها مسلمون، ولا يمكن أن يفعلها إنسان لديه إنسانية.
خلف هذه الأفلام والاغتيالات أيادٍ أمريكية وصهيونية، فقد أشعلوا الفتنة بين السنة والشيعة للاقتتال داخل البلد الواحد، وأرادوا جر الأردن للحرب، والآن قتلوا الأقباط من أجل فتنة بين المسيحين والمسلمين وجر مصر للحرب، وأتمنى ألا تفعل مصر، فهذا مخطط صهيوني أمريكي، كما أن الأيادي الصفوية ليست بعيدة عنه.
الأمريكان جعلوا من العرب كل دولة تضرب جارتها على خلفية حوادث قتل بشعة من تخطيط الاستخبارات الأمريكية، الآن قد تحدث فتنة بين مصر وليبيا؛ وهذا ما نخشاه.