ليست قرصنة بحرية ولا هجوماً على قافلة برية؛ بل هو حرق مدينة بما فيها من الكائنات، بشرية وحيوانية ونباتية، جريمة في حق الأرض والبشرية، جريمة لم تنفذها كائنات من الفضاء أو أرواح وأشباح، بل جريمة ينفذها جيش النظام السوري الذي تحلق طائراته، وترصد الأقمار الصناعية راجماته وتعرف أين تتمرس فلوله وحشوده، فالجريمة ليست كراً وفراً وليست بين الأدغال ولا الجبال، بل هي جريمة تنفذ في وضح النهار وعلى أرض مكشوفة وأمام مناظير ودرابيل جيوش التحالف التي اجتمعت من كل حدب وصوب بدعوى قتال داعش، في الوقت الذي تغض فيه النظر عن إرهاب العصابات السورية الإيرانية اللبنانية العراقية الحوثية، الذين اجتمعوا في سوريا لإبادة أهل السنة، إنها مذابح مروعة في عصر ترفع فيه شعارات حقوق الإنسان وتعقد المجالس والمؤتمرات لحماية الحيوانية البرية من الانقراض وحماية البيئة من أضرار الملوثات، فأي شعارات بعدها وأي عبارات يمكن أن تروي ما حدث في «دوما» وما يحدث في كل مناطق سوريا؟
فوالله هو عار ليس مثله في الدنيا عار، ليس على الدول الصليبية ولا الصفوية، ولكن على الأمة الإسلامية التي تشاهد المجازر حيث تنحر رقاب الأطفال وتهشم رؤوسهم وتمطر عليهم من السماء براميل النار، دون أن تكون حركة أو احتجاج من الدول الإسلامية لحماية المدنيين من المذابح التي راح ضحيتها ليس مائة ألف أو مائتين بل الملايين.
هذه الإبادة ينفذها النظام السوري في دوما والمناطق الأخرى، لم نسمع لها إدانة ولا شجباً ولا خط تعزية، ولم تتناقل أخبارها القنوات الفضائية كما تناقلت الهجوم على مقر جريدة فرنسية، أقامت الدنيا وأقعدتها، ولكن أن تباد مدينة وتحرق بمن فيها فهو إرهاب يرونه مشكوراً وممنوناً ما دام ضحاياه مسلمين.
إذاً إرهاب اليوم هو إرهاب دولي وليس عصابات ولا جماعات عندما يسكت العالم عما يحدث في دوما وقبلها الكثير من المدن السورية التي احتلتها الميليشيات القادمة من إيران ولبنان والعراق، وكل هذا على مرأى من العالم بل وبرعايته، والذي صم أذنه وأغمض عينه عن ذبح النظام السوري لشعبه، ومنذ 3 سنوات ودون توقف، وعندما قرر هذا المجتمع الدولي التدخل، تدخل لصالح بشار، والذي يصر على استمراره ويحارب لأجل بقائه، وذلك بعدما حس بقرب زواله ودنو منيته، فجاء بالقصص وفبرك وأخرج الأفلام كي يأتي بجيوشه ويحرك طائراته مرة ثانية ليقنطر في العراق بحجة محاربة الإرهاب.
أهل دوما لم تتبن قضيتهم هيئة أمم متحدة ولا جامعة عربية ولا قمة خليجية، أهل دوما الذين يعيشون منذ عامين في حصار بين جوع وقصف بالصواريخ، فلكم أن تتصوروا عائلات ونساء وأطفالاً يعيشون ويلات حرب منذ أربع سنوات، لا يعيشون في كوكب زحل أو المريخ بل يعيشون على مسافة قصيرة من دول عربية وخليجية وأمريكا تراقب بأقمارها الصناعية والدول الغربية تشاهد، وكأن ما يحدث مجرد فيلم رعب طويل، لا أحد يستطيع أن يتدخل فيه، وذلك حين يكون الفيلم من فكرة أمريكية، قامت بتنفيذه وإخراجه إيران، فلذلك المجتمع الدولي صامت لا تخرج منه كلمة ولا حتى إشارة من إشارات الصم.
وها هو فهد حمد البيضاني يروي لنا عن لسان أحد أهل «دوما» الذي استطاع مغادرتها بعد محاولة خروج عسيرة من سوريا استغرقت 17 يوماً، يقول: «الناس لا يجدون ما يأكلون حتى أعلاف الأبقار طحناها وأكلناها فماتوا كل الأبقار ولم تبق بقرة واحدة، حيث كانت الأبقار تشكل في دوما 25% من نسبة أبقار سوريا، كما يقول صنعنا «معمولاً» بلا حشوة، فأخبرنا الناس، ولما أردنا التوزيع تفاجأنا بطابور فيه 250 من الرجال والنساء والأطفال حصل كل منهم على حبة واحدة، هذا جانب من روايات الجوع، وها هي تكتمل الروايات عندما تتناثر أشلاء الجوعى بنيران نظام إرهابي، يباركه المجتمع الدولي، هذا المجتمع الذي أقام الدنيا وأقعدها على الهجوم على مقر جريدة فرنسية لا يعرف مصدره ولا الجهة التي تدعمه، بينما يسكت عن إبادة الملايين من الشعب السوري ليس بقوة خفية ولا جهة غير معلومه بل بنيران نظامه دون أن ينطق هذا المجتمع الكذاب ببنت شفة.
ولابد أن نقول هنا كلمة وإن كانت أضعف الإيمان، فيا أهل دوما لكم الله الذي لا يخلف وعده.