يوم السبت الماضي رحل عن عالمنا الدكتور جليل إبراهيم العريض لتفقد البحرين ومعها الكثير من دول العالم والمنظمات الدولية المعنية بأمور تأسيس التعليم وتطويره باحثاً وخبيراً في رسم طريق المستقبل والتعرف على احتياجاته وكيفيه الوصول إليها..
فالدكتور جليل رحمه الله، عرفته البحرين بأنه مهندس التعليم في الكثير من محطاته الأساسية، يفكر ويخطط ويبدع ويشرف على التنفيذ ثم تناط به قيادة المؤسسة التعليمية التي أبدعها، فالمهندس هو أفضل من يتولى متابعة إدارة البناء وتقييم الإنتاج وتقويم منتوجات المسيرة التي رسم وحدد طريقها..
وبالوقوف عند المحطات التي كلف د.جليل بهندستها نرى أن أولها كان المعهد العالي للمعلمين (1965) وأصبح مديراً له في العام التالي ولمدة 7 سنوات، وأحدث بهذا التخطيط والتأسيس والإدارة نقلة نوعية بعد أن كان المعلمون يتخرجون من قسم المعلمين بالمدرسة الثانوية.
وبعد أربع سنوات من هذه النقلة، وأثناء توليه منصب وكيل وزارة التربية والتعليم كلفه الوزير بمهمة التخطيط لتأسيس كلية البحرين الجامعية للعلوم والآداب والتربية التي افتتحت في عام 1978 واختير عميداً لها عام 1982، وبعد خمس سنوات جرى تعيينه نائباً لرئيس جامعة البحرين وقائماً بأعمال رئيس الجامعة حتى خروجه على التقاعد في عام 1991.
غير أن إبداعات مهندس التعليم وجهوده لرسم طريق مستقبل الأجيال لم تقتصر على المستوى المحلي بل تعدتها إلى المستوى العربي والعالمي، فأثناء عمله تم تكليفه بإعداد دراسات ووضع تصورات من قبل هيئات عربية ودولية متخصصة بشؤون التعليم، مثل اليونسكو التي اختارته عام 1980 ضمن فريق من 32 عالماً وخبيراً لوضع تصوراتهم بشأن الاتجاهات التي يفضل اتباعها لتطوير محتوى التعليم العام على مستوى العالم للعقدين 1980 – 2000.
وبعد تقاعده بعامين (1993) زرته في منزله لإجراء مقابلة صحفية معه وعلمت منه أنه مستمر في أداء عمله من منزله في إعداد الدراسات للهيئات والمنظمات ووزارات التعليم العربية والأجنبية فكلها تلجأ إليه للاستعانة به في هندسة مستقبل تعليمها أو واحدة من مؤسساتها التعليمية باعتباره خبيراً وعالماً متمكناً ومبدعاً.
في تلك المقابلة سألت د.جليل عما يراه بشأن مخرجات التعليم في البحرين فقال لي: «إنه من الخطأ أن يندفع الطلبة جميعهم نحو نيل الشهادات العليا في الوقت الذي تحتاج فيه البحرين لتخريج المزيد من الفنيين من مراكز ومعاهد التدريب فهم الذين يحتاجهم سوق العمل اليوم وغداً، وبعبارة أخرى نحن لسنا بحاجة إلى المزيد من الضباط وإنما إلى الآلاف وربما عشرات الآلاف من صف الضباط» رؤية ثاقبة لم نأخذ بها (مع الأسف) فأصبحت الأعمال تدار من قبل العمالة الوافدة.