قبل أكثر من عشر سنوات، وبعد مطاردة دامت دقائق معدودة، تمكنت دورية تابعة للجيش الأمريكي من محاصرة سيارة مدنية يستقلها ثلاثة شباب تتراوح أعمارهم بين 17 و20 ومنعتهم النزول من السيارة، بعدها تقدم بعض الجنود إلى السيارة وألقوا داخلها كمية من البنزين ثم أضرموا النار فيها لتتحول خلال ثوان إلى فرن يشوي من بداخله والجنود من حول السيارة يضحكون ويصورون، ولم يتركوا المكان حتى تفحمت وذاب من كان بداخلها، أما الشباب فأقصى ما يمكن توقعه أنهم لم يكونوا عزلاً واستهدفوا هذه الدورية وربما أطلقوا النار عليها، لكن الجنود لم يكونوا مسالمين وإنما كانوا غزاة محتلين، فهذه المطاردة لم تكن في شوارع تكساس أو نيويورك وإنما كانت في شوارع بغداد التي احتلتها أمريكا، ووفقاً لأعراف وقوانين الحرب فإن هؤلاء الشباب وقعوا في الأسر، هذا إذا اعتبرناهم مقاتلين وليسوا مدنيين ربما أخذوا بالشبهة.
بعد هذه الحادثة وعندما نشطت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران أخذ القتل بالحرق يتطور على أيديهم ومر هو الآخر بمراحل؛ فالمرحلة الأولى التي كان القتل فيها بدافع التهجير، سمعنا عن حوادث بشعة كخطف طفل بعمر أربع سنوات ووضعه في فرن الخبز وإعادته لأهله مشوياً، ليهرب بعد ذلك سكان حي بأكمله، ثم جاءت المرحلة الثانية التي كان القصد منها تصفية أكبر عدد ممكن من البشر والتي نشهدها اليوم، تدخل الميليشيات إلى قرى وتعتقل الرجال وتوثق أيديهم ثم تصفهم على الشارع ويسكب الوقود على أجسادهم ويحرقون والميليشيات يصورون أيضاً وينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي، أما إذا بحثنا في عمق التاريخ فسنجد القتل حرقاً من اختصاص من رفض دين الله عز وجل، كما هو الحال مع أصحاب الأخدود، أو من اختصاص محاكم التفتيش في القرون الوسطى، آخر ما شهدناه إحراق الطيار الأردني على يد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ويبقى العامل المشترك بين كل الشواهد آنفاً هو الوصول بالفئة المستهدفة إلى أقصى درجات الرعب والهزيمة النفسية.
يكتسب تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» جزءاً كبيراً من قوته عن طريق زرع الخوف والرعب في نفوس الناس، وهذا يتحقق من خلال عمليات القتل بطرق تسبب الألم النفسي لمن يشاهدها، طريقة إعدام الطيار لم تكن طريقة من ابتكار هذا التنظيم، فقد استخدمت في التاريخ القديم، وكذلك في التاريخ الحديث على يد الأمريكان والميليشيات، لكن الجديد في الموضوع هو الإخراج الذي يؤكد على أن من يفكر فيه ويقترحه أشخاص لهم علاقة بإنتاج الأفلام السينمائية التي تمزج بين الرعب والإثارة، وأن من يخطط له ويرسم سيناريو أحداثه محترفون في مجال السينما، وهذا يضع أمامنا مؤشراً مهماً وهو أن هناك طرفين كل واحد منهما له هدف، الطرف الأول مجهول رسم السيناريو وأخرجه ليحقق أهدافاً خاصة تتعلق بالمسلمين بشكل عام، والثاني «داعش» التي وجدت في السيناريو فرصة لتحقق هدفها المتمثل في تحقيق الهزيمة النفسية في نفوس من يقابلهم.