اللحظة التاريخية التي عاشتها البحرين أمس كانت خطوة جاءت لامتداد تطور تاريخي، فهي لحظة مأسسة الإرادة الشعبية بتأكيد صوت الشعب في الحكم، وهو ما توافق عليه الجميع منذ ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين بتعديلاته الأولى «2002»، والثانية «2012».
لا يمكن القول إن الإرادة الشعبية في البحرين كانت معدومة على مدى تاريخ البلاد الحديث، رغم الأطروحات الخاصة بها والتي يرى البعض أنها لم تكن واقعاً خاصة خلال فترة التعطيل الدستوري «1975 ـ 2002». بل الممارسات الخاصة بالإرادة الشعبية تطورت تدريجياً، ففي الوقت الذي كان فيه الحاكم يمارس صلاحيات حكمه بتأييد شعبه له منذ قرون وبما يتمتع به من قبول ودعم واسع منذ أن تتم مبايعته بالطريقة التقليدية سابقاً، تطورت الممارسات بفضل تنظيم الصلاحيات عبر مجموعة من المؤسسات التي كانت مؤسسات بسيطة لتنظيم شؤون البلاد، ولمعاونة الحاكم.
عندما نالت البحرين استقلالها في أغسطس 1971 عكف الأمير الراحل طيب الله ثراه على إعادة تنظيم الدولة لتواكب الدول الحديثة. ودعا لتشكيل مجلس تأسيسي منتخب هو الذي قام بإعداد أول دستور مكتوب للبحرين مازال قائماً حتى اليوم، وفي هذا الدستور تم ترسيخ مبدأ الإرادة الشعبية بإنشاء أول برلمان منتخب.
ورغم ظروف تلك التجربة المهمة، إلا أن هذا المبدأ استمر حاضراً في السياسة البحرينية حتى في فترة التعطيل الدستوري، فالإرادة الشعبية لا تنحصر فقط في المشاركة الجماعية للصلاحيات الدستورية والقوة السياسية، بل تشمل أيضاً العمل المؤسسي. وفي تلك الظروف المعقدة استحدثت تجربة مختلفة من ممارسات الإرادة الشعبية عندما أنشأ مجلس الشورى بتجربته الأولى في بداية التسعينات رغم اعتماده على آلية التعيين في اختيار أعضائه.
ممارسة الإرادة الشعبية في عهد جلالة الملك كانت مختلفة بدءاً من الاستفتاء الشعبي على وثيقة ميثاق العمل الوطني، انتقالاً إلى التعديلات الدستورية الأولى والثانية والتي جعلت لدى الشعب صلاحية منح الثقة السياسية لحكومته وشاهدناها بالأمس.
فلاسفة مبدأ الإرادة والسيادة الشعبية «توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو» استغرقوا 220 سنة لإنتاج فلسفتهم وأفكارهم السياسية التي صارت حاضرة اليوم في كثير من ممارسات ديمقراطيات العالم، في الوقت الذي استغرقت في البحرين 232 عاماً لتختار بنفسها التجربة الأنسب للإرادة الشعبية.
الأهم أن التجارب المختلفة في جميع الدول هدفها واحد، وهو تحقيق الإرادة الشعبية الأمثل، وما تم في البحرين تجربة ومرحلة جديدة لن يتوقف البحرينيون عن تطويرها دائماً بما يتوافق مع ظروفهم واحتياجاتهم طوال العقود والقرون المقبلة.