حرية الرأي والتعبير التي كانت شعوب العالم تطالب بها إلى ما قبل 3 عقود باتت اليوم في عالم من الفوضى، فهي حرية ورأي لا تحكمهما قيود أو ضوابط أو اشتراطات، بل المسألة تعتمد على الرقابة الذاتية التي يراها صاحب الرأي نفسه، وحتى القوانين الوطنية صارت لا تتواءم مع سقف الحرية من بلد لآخر، وتداخلت حرية التعبير مع الإساءة بالتعبير.
وسط هذه الفوضى التي شجعتها أيضاً شبكات التواصل الاجتماعي، صارت معايير حرية التعبير مزدوجة، فهناك من يطالب دائماً بالاستماع إلى الرأي والرأي الآخر، ولكن عندما يتعلق الموضوع بمصلحته يكون هناك رأي واحد فقط، وغيره ليس برأي ولا ينبغي إعطاؤه مجالاً للتعبير عن رأيه.
فحرية التعبير هنا ليست مرتبطة تماماً بحقوق الإنسان، أو منظومة الحقوق الدستورية، أو حتى الحريات التي كفلتها القوانين الوطنية، بل تختزل الحرية في المصلحة لا غير. ويصبح كل من يكتب أو يعبّر عن رأيه ضدي صاحب صفات بشعة، ولا يحق له أن يعبّر عن رأيه.
في الوقت نفسه عندما تختفي المصلحة أو تكون الظروف غير مواتية، فإن هناك من يؤكد بضرورة الاستماع إلى مختلف الآراء، وضرورة احترام الاختلاف باعتباره ظاهرة صحية، ويجب احترام الآخر وعدم إقصائه أو نفيه باعتباره شريكاً في الوطن.. إلخ.
جميع هذه الأطروحات ليست ببعيدة أو خارج مجتمعنا الصغير، فهناك من يتلاعب بحريات البحرينيين بهذه الطريقة، يراها رائعة، ثم يتغير فجأة ويراهـا سيئــة، ويصــادر حـــق كـــل بحريني في التعبير عن رأيه، وعندما يتألم فإنه يحاول الصراخ على قدر الألم منعاً للإحراج بدون أخلاق أو أعراف.
الحريـــات العامــــة وحقـــوق الإنسان تكون في فوضى عارمة في مجتمعـات مازالــت تتعرّف على كيفية استخدام مثل هذه الحريات، وإذا كانت هذه مخرجات عقد ونصف العقد فإننا بحاجة لفترة مضاعفة حتى نستوعب ما توافقنا عليه من حريات وحقوق مدنية. والفترة نفسها من الممكن أن تطول ما دامت هناك عقول ديدنها استغلال الحريات والحقوق لتحقيق مصالحها لا غير.