من المتعارف عليه في جميع المجالات، أنه حين تقول جهة ما إنها وضعت برنامجاً، فإنها تضمن هذا البرنامج المحاور أي أنه سيشتمل على محور كذا و محور كذا، ثم تدخل في تفاصيل كل محور وتقول إنه يتضمن وضع الخطة أو الخطط التالية، فتبين مضمون كل خطة وأهدافها وتكلفتها وكيفية تنفيذها ومصدر التمويل والمدة الزمنية لإنجازها والمعيار المعتمد لقياس نجاحها والذي على أساسه ستجري محاسبة المسؤولين عن تنفيذ الخطة عند انتهاء الزمن المحدد.
وبتجسيد هذا الإطار على برنامج الحكومة للسنوات الأربع القادمة نجد أنه أبعد ما يكون عن أن يكون برنامجاً بهذا المعنى والمضمون، فهو عبارة عن أهداف ونوايا ورغبات وتمنيات ووعود عامة وفضفاضة، بل وكثيرة وموسعة بحيث يستحيل على الحكومة وضع الإجابات على النقاط التي طرحناها أعلاه لا في الأربع سنوات ولا حتى في ثماني سنوات.
بل إن وضع الحكومة لما يسمى ببرنامجها على هذا الشكل والمضمون كان الهدف منه - حسب تخميني - هو التخلص من الالتزام بالتنفيذ وفق الالتزامات والمتطلبات المحددة، فأسلوب العمومية وعدم التحديد الذي اتبعته في وضع برنامجها هو ذاته الذي استعملته في وضع برامجها المرافقة لمشروع الميزانية العامة في السنوات السابقة والتي لم ينفذ منها شيء، أو نفذ منها القليل في نهاية السنوات الأربع مع أن تلك البرامح كانت دائماً مربوطة بالميزانية، أي بالمعرفة السابقة للإيرادات والمبالغ المحددة للمصروفات المبينة في البرنامج، فكيف والحال هذه المرة لا خطط ولا تمويل معروف ولا مدد زمنية محددة ولا معايير قياس.
وبالتالي فعلى اللجنة المكلفة بمناقشة برنامج الحكومة بمجلس النواب أن تعود إلى المربع الأول أي مطالبة الحكومة بتصحيح الأسس التي وضع عليها البرنامج واستكمال الناقص منها وعلى الأخص جانبي التمويل والمدى الزمني الأمر الذي سيستلزم ربط البرنامج بمشروع الميزانية الذي تتعمد الحكومة تأخيره حتى تغطي الالتزام بتمويل خطط او مبادرات البرنامج.
وعلى اللجنة عدم الانشغال والانجراف نحو موضوعات تفصيلية قبل حسم الموضوعات الرئيسة والكبرى، فالتفصيليات مثل تعديل قانون التأمين ضد التعطل وقانون التقاعد وفصل راتب الزوجة عن الزوج، فهذه أمور هي أصغر من أن تحل مكان الخطط وأسهل ما توافق عليه الحكومة حالاً.