أسوأ ما أفرزته الآلة الصهيو-أمريكية تحت مسمى الديمقراطية الزائفة، والتي سوقت للعالم الثالث؛ هي مشكلة النازحين واللاجئين، إضافة إلى العديد من الاختناقات والكوارث التي أورثتها للشعوب المنكوبة، بدءاً بتمزيق النسيج الاجتماعي والحقن بل التطاحن الطائفي وما خلفته من جهل وتخلف وفساد وكل أشكال العنف والبطش والإرهاب. فبعد أن بلغ السيل الزبى طاشت العقول وأصبح الحليم حيران، فلا تعلم بما تبدأ به بعد من إصلاح. وغداً حالنا كحال من شب النار في جنبات بيته فلا يعلم بمن يبدأ؟ أيخمد النار أم ينتشل من في الدار؟ وحسب آخر إحصائيه أدلى بها المفوض السامي للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: «إن عدد النازحين قد تجاوز الخمسين مليوناً، وهذا العدد لم تصله الإنسانية، وفاق بكثير النازحين في الحروب العالمية، ويتصدر نازحو العراق وسوريا قائمة الشعوب».
لقد عانت البشرية من الكوارث والحروب والنكبات التي أدت إلى لجوء أقوام لمناطق أكثر استقراراً وأمناً، لكن لم يسطر لنا التاريخ أن شعوباً تصبح نازحة ومشردة داخل بلدانها، وهذا أقسى وأشد إيلاماً للنفس، بأن تعيش نازحاً مشرداً بلا مأوى ولا مصدر عيش كريم وأنت في بلدك وغريمك جارك أو عدو غريب استحل بلدك أو من خان الملح والزاد من بني جلدتك، وغداً من أعتى المجرمين واللصوص وتحت سطوة الظلم وجبروت القوى المفرطة يتنعم بخيراتك، بل يستكثر عليك الفتات ويحتال ليسرق ما يقدم لك لتسد به جوعك وتقيم صلبك، وحتى شربة ماء تطفئ بها حرة كبدك.
هذا ما يحدث الآن مع إخوانكم في العراق والشام واليمن والكثير من مناطق النزاع، حيث الملايين من الرضع والأطفال يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويصارعون الموت من أجل البقاء، لكن يأبى الموت إلا أن يغيب كل يوم منهم العشرات الذين خارت قواهم وتشققت وتيبست من البرد والجوع جلودهم وأحشاؤهم، وتضج كل حين أرواحهم الزكية إلى بارئها مصحوبة بأنين وشكوى صمت آذان بعض من في الأرض عن سماعها وأسمعت كل من في السماء. أيعقل أن كل تلك المآسي تجري وتتناقلها وسائل الإعلام كل يوم في عالم أصبح قرية صغيرة وسط صمت مطبق من الحكومات والدول والمنظمات والهيئات؟ أماتت ضمائرهم أم هم جزء من المشكلة ويأبون كل الحلول إمعاناً في الأذى؟
لكن رغم تدفق الكثير من الأموال والمساعدات إلا أن أولئك النازحين يعيشون أوضاعاً وظروفاً صعبة للغاية، حيث مازالت آلية التعامل مع النازحين واللاجئين تعتمد على هيئات ومنظمات تدار تحت مظلة تلك الدول التي هي أساساً من افتعل تلك الأزمات، مما يعني أن الأموال تقع أولاً بيد أولئك السراق ولا يصل منها إلى النازحين سوى الفتات، فتلك البلاد المنكوبة تدار من قبل قاتل وسارق، مما يستوجب التفكير الجدي بإيجاد الآلية والضوابط التي تمكن الدول المانحة من إيصال ومتابعة تلك الأموال لمستحقيها.
وبعد أن عجزت كل المنظمات وهيئات الأمم المتحدة وشؤون اللاجئين في وقف تدهور الوضع الإنساني للنازحين، ولعدم وجود أي حل قريب يلوح في الأفق، ولتساقط المزيد من الضحايا الذين تغمض أعينهم يومياً دون عزاء واكتراث من المجتمع الدولي، أتوجه وأضم صوتي لأولئك المظلومين المنسيين، ولنعلنها مدوية في مقرات وآذان تلك الأمم التي أصابها العمى والصمم.. أن أفسحوا ومهدوا لهم الطريق بتأسيس كيانهم وبرلمانهم ليوصلوا صوتهم وليتدبروا أمرهم بعد أن خذلتموهم وعجزتم وعجزت منظماتكم البائسة لحمايتهم وإنقاذهم من الهلاك المبين، أو احذروا الوقوع في إثمهم فستلاحقكم صرخاتهم ودعواتهم وتنغص عليكم معيشتكم ولو بعد حين.