قبل أيام قليلة انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لرجل عربي يبدو في الخمسينات من عمره، يتجول في شوارع أمريكا التي وصلها حديثاً بصفته لاجئاً هرباً من الموت والدمار الذي واجهه في بلده، يظهر في الفيديو وهو يصرخ فرحاً ويقول: «حرية.. حرية.. هذه أمريكا بلد الحرية»، بعد ذلك يقول انظروا ما سأفعل، فيفترش قطعة قماش على الأرض ويتظاهر بالصلاة وسط الناس فصلى الركعة الأولى وكأنه «سني» وصلى الثانية وكأنه «شيعي»، وبعد أن أنهى صلاته قال «بكيفي أصلي.. ولا أحد من الناس يتدخل»، ثم انطلق مسرعاً إلى ثلاثة أشخاص يعزفون الموسيقى وبدأ يرقص وسطهم، وعاد إلى الكاميرا ليقول لنا: «أريتم؟ أصلي لا يتدخل أحد، أرقص لا يتدخل أحد، حرية....حرية».
مسكين هذا الرجل لا بد أن ما رآه في بلده وما تحمله من معاناة حتى وصل أمريكا أفقده توازنه، ومسكين مرة أخرى لأنه مخدوع بالحرية في أمريكا، فتصور أن له أن يقول هناك ما يشاء دون اعتراض، ولا يدري أن «جيم كلانسي» أشهر مذيع أمريكي وكبير المذيعين في قناة CNN الأمريكية فقد عمله قبل أيام قليلة بسبب تغريدة على حسابه الشخصي في «تويتر»، ولم تشفع له 34 سنة خدم فيها القناة، مع أنه في تغريدته لم يشتم القناة ومالكها أو تحدث عن فضائحها، ولم يتطرق إلى فخامة أبو حسين أوباما، كل ما كتبه هو سطر واحد علق فيه على أحداث الهجوم على مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، فقال «الدعاية الإسرائيلية تتحمل جزءاً من مسؤولية الهجوم على المجلة»، وبعد هذه التغريدة أغلق «كلانسي» حسابه على تويتر واستقال من القناة، أو بعبارة أصح أجبر على الاستقالة، وحتى حرية التعبير على حسابه الشخصي في تويتر ربما منع منها.
أمريكا التي تطالبنا بقبول عصابات تقطع الطرق وتريدنا نتلقى قنابل المولوتوف بصدر رحب، معتبرة كل ذلك حرية تعبير، لا تقبل كلمات انتقاد بسيطة بحق إسرائيل صدرت من أحد مواطنيها وإعلامييها وقد خدمها سنيناً طويلة وغطى حروبها كحرب الخليج وغيرها، أمريكا التي تريد منا قبول الإساءة إلى ديننا وإهانة نبينا تحت عنوان حرية التعبير عن الرأي، تعتبر انتقاد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ولو تلميحاً أمراً يتعدى الخطوط الحمر ومسألة حرية التعبير، وتقيل في سبيله أفضل المذيعين في أفضل شبكاتها الإعلامية، فعن أي حرية يتحدثون في أمريكا؟!.
الحريات في الغرب مجرد مبادئ تنشر ولا يعمل بها، فالحديث عن «حريتك تقف عندما تسيء إلي» شعار ليس أكثر، وحرية التعبير عن الرأي إن تعارضت مع المصالح يضرب بها عرض الحائط، وعلى هذا فالحرية التي يتفاخرون بها حرية عوراء عرجاء.