من الملاحظات التي تعلمناها من تجربتنا الحياتية، والتي أصبحت الآن شبه طويلة نسبياً، أن كل من ينتمي إلى أيديولوجيا ما من الأيدلوجيات المعاصرة؛ دينية أو يسارية أو قومية أو عدمية، وحتى على مستوى الفرد العادي يرى أنه على صواب والآخرين على خطأ. وهذا هو السبب الأول الذي يجعل العلاقات الاجتماعية عبارة عن مسلسلات مكسيكية أو تركية مستمرة إلى عدة سنين، وكل ذلك واضحاً عبر شاشة المشاحنات اليومية بين الأب والبنت أو بين الأم والأبناء، أو بين الأصدقاء والأصحاب أو بين الجيران، والتي لا يرى الإنسان في النهاية إلا كونه نقيضاً له ويعمل على إيذائه وظلمه والإنقاص من مكانته، فيشعر أنه مظلوم، وأكثر الأحيان يعتبر أنه مظلوم حتى قبل ولادته.
وأنا أبحث كالعادة في «جوجل بلس» الذي بدأت التعامل بعد مرحلة «الفيس بوك»، بالطبع هناك العديد من الصور تدخل دون استئذان إلى ما اعتبره انتهاكاً للخصوصية، وجدت ما يمكن الانتباه له والتوقف أمامه على شكل قصة واقعية، من الممكن أن تحدث للكثيرين منا، وأرى أن بعضها قد حدث بالفعل.
تقول القصة.. بينما كان أحد رجال الأعمال يقود سيارته الجاكور الجديدة في أحد الشوارع، ضُربت سيارته بحجر كبير من على الجانب الأيمن.. نزل ذلك الرجل من السيارة بسرعة، ليرى الضرر الذي لحق بسيارته ومن الذي تجرأ على فعل ذلك، وإذ به يرى ولداً يقف في زاوية الشارع وتبدو عليه علامات الخوف والقلق، اقترب الرجل من ذلك الولد، وهو يشتعل غضباً، فقبض عليه دافعاً إياه إلى الحائط وهو يقول له: «يا لك من ولد غبي لماذا ضربت سيارتي الجديدة بالحجر؟ هل تستطيع أنت وأبوك دفع ثمن إصلاحها؟».
بدأت الدموع تنهمر من عيني ذلك الولد وهو يقول: «أنا متأسف جداً يا سيدي، لكنني لم أدري ما العمل؛ فلي فترة طويلة وأنا أحاول لفت انتباه أي شخص كان لكن لم يقف أحداً لمساعدتي، ثم أشار بيده إلى الناحية الأخرى من الطريق وإذا بولد مرمي على الأرض»، ثم تابع كلامه قائلاً: «إن الولد المرمي على الأرض هو أخي، فهو لا يستطيع المشي بتاتاً لأنه مشلول بكامله، فقد كنا نسير وهو جالس في كرسي المقعدين، فاختل توازن الكرسي وإذ به يهوي في هذه الحفرة، وأنا صغير ليس بمقدوري أن أرفعه مع أنني حاولت كثيراً».
وتابع الطفل: «أتوسل إليك يا سيدي؛ هل لك أن تساعدني على رفعه، فإنه بالحفرة من مدة على تلك الحال، وهو خائف جداً، ثم بعد ذلك افعل بي ما تريد»، لم يستطع ذلك الرجل أن يمتلك عواطفه فغص حلقه، فقام برفع الولد المشلول من الحفرة وأجلسه في الكرسي، ثم أخذ منديلاً من جيبه وبدأ بتضميد جروح الولد المشلول من جراء سقطته في الحفرة، وبعد انتهائه قال له الولد الصغير: «الآن افعل بي ما تريد من أجل السيارة».
أجابه الرجل: «لا شيء يا بني، لا تأسف على السيارة، فلن أصلح سيارتي الجديدة، وسأبقي تلك الضربة تذكاراً عسى أن تكون تذكرة لي ولا يضطر أحد غيرك بأن يرميني بحجر للفت انتباهي».
هذه القصة تخبرنا بصورة مباشرة أن وجهة نظرنا ليست بالضرورة أن تكون هي الصحيحة أو الحقيقية والتي لا يدخلها أي شك، وبالتالي نتخذ الفعل اللازم، كما نراه، ونقوم بتنفيذه بسرعة دون الاعتراف لأنفسنا، قد يكون هناك ثمة خطأ في وجهة النظر هذه.
وقد تعلمنا منذ الطفولة، قبل أن تكون لدينا ردة فعل من فعل، عد من واحد إلى العشرة، مقولة جميلة، ولكن من منا يمارسها؟ هل كل واحد منا يحتاج إلى مثل الحجر ليقومه ويصوب قوله وفعله؟