مهما قلنا عن الأم؛ ستكون كل كلماتنا وأقوالنا وأحاديثنا ناقصة دائماً وأبدً، فالأم هي القناة التي جئنا منها إلى هذه الدنيا، هي النبض الأول الذي ينبض في قلوبنا، وهي الطعم الأول الذي تطعمناه عبر مشيمتنا، وهي في الواقع كل ما هو أول فينا، منذ وصول الحويمن إلى البويضة وبداية التوسع الخلوي، مروراً بكل تشكيلات الأجنة، نبضة نبضة وخلية خلية وعضواً عضواً.
الأم لا يمكن أن توفي حقها محيطات الكلام وغابات الأحاديث وسموات اللغة، فهي دائماً أكبر وأوسع وأعظم من كل شيء.
قبل فترى قصيرة جاءني إيميل رائع عن أم من أمهاتنا تخاطب ابنها وتوصيه بأجمل كلام لم يطرحه من قبل الحكماء والفلاسفة والكهنة، قول ووصايا وتعابير أكبر من الشرح والتحليل والتفسير والتأويل، تقول الأم..
ولدي العزيز.. في يوم من الأيام ستراني عجوزاً غير منطقية في تصرفاتي، عندها من فضلك أعطني بعض الوقت وبعض الصبر لتفهمني، عندما ترتعش يدي فيسقط طعامي على صدري، وعندما لا أقوى على لبس ثيابي فتحلى بالصبر معي، وتذكر سنوات مرت وأنا أعلمك ما لا أستطيع فعله اليوم.
إن لم أعد أنيقة جميلة الرائحة فلا تلمني، واذكر في صغرك محاولاتي العديدة لأجعلك أنيقاً جميل الرائحة.
لا تضحك مني إذا رأيت جهلي وعدم فهمي لأمور جيلكم هذا، ولكن كن أنت عيني وعقلي لألحق بما فاتني.
أنا من أدبتك، أنا من علمتك كيف تواجه الحياة؛ فكيف تعلمني اليوم ما يجب وما لا يجب.
لا تمل من ضعف ذاكرتي وبطء كلماتي وتفكيري أثناء محادثتك، لأن سعادتي من المحادثة الآن هي فقط أن أكون معك.
فقط ساعدني لقضاء ما أحتاج إليه، فما زلت أعرف ما أريد.
عندما تخذلني قدماي في حملي إلى المكان الذي أريده، فكن عطوفاً معي وتذكر أني قد أخذت بيدك كثيراً لكي تستطيع أن تمشي، فلا تستحي أبداً أن تأخذ بيدي اليوم، فغداً ستبحث عمن يأخذ بيدك.
في سني هذا اعلم أني لست مقبلة على الحياة مثلك، لكني ببساطة أنتظر الموت، فكن معي ولا تكن عليّ.
عندما تتذكر شيئاً من أخطائي فاعلم أني لم أكن أريد سوى مصلحتك، وأن أفضل ما تفعله معي الآن أن تغفر زلاتي وتستر عوراتي، غفر الله لك وسترك.
لا زالت ضحكاتك وابتسامتك تفرحني كما كنت بالضبط، فلا تحرمني صحبتك.
كنت معك حين ولدت فكن معي حين أموت..
أمك ثم أمك ثم أمك.. هكذا أوصانا الرسول العظيم والنبي الحليم بالأم، فهي كما أرى وكما قلت قناة الحياة، دونها لا أحد يأتي إلى الدنيا، فمنذ بداية التاريخ في العصر الأمومي، حيث كانت المرأة مشاعاً لكل رجل، أو بالأحرى لكل ذكر في القبيلة، كان هناك الكثير من الآباء، فهم ليسوا للعد وليسوا للحصر، ولكن لم تكن توجد إلا أم واحدة.
في هذه الحياة الممتدة من لحظة الولادة إلى لحظة الموت قد تتزوج أكثر من امرأة، قد يموت أحد أبنائك فتنجب أبناءً آخرين، لكنك لا تستطيع أن تحصل على أم أخرى.
إن كانت أمك موجودة الآن مر عليها يومياً، وإن كانت بعيدة عنك سارع بالاتصال بها والاطمئنان عليها، وإذا غادرت العالم عائدة إلى بيتها السماوي اعمل على ذكرها بكل ما تستطيع، احفر بئراً باسمها في مكان يحتاج ساكنوه إلى الماء، عمرة أو حجة باسمها، توزيع شيء من خيرات الله في يوم وفاتها أو ولادتها، طباعة كتاب ديني وبأكثر من لغة يواصل خيرها وبركتها إلى آخر يوم من أيام العالم.
أمك.. ثم أمك.. ثم أمك.. هذا هو ما به أنهي حديثي معكم اليوم.