تطورات مهمة وتاريخية يشهدها اليمن، ليست أهميتها ما سيحدث على مستوى الأوضاع الداخلية هناك، بل أهميتها تكمن في النتائج الإقليمية والدولية التي ستكون مؤثرة كثيراً على صعيد تفاعلات النظام الإقليمي الخليجي، وتفاعلات النظام الدولي.
سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة اليمنية بإسقاط مؤسسة الرئاسة جاء في توقيت مهم، حيث تزامن مع تراجع أسعار النفط ومعركتها القائمة منذ نهاية العام الماضي، فالذراع الإيرانية في اليمن متمثلة في جماعة الحوثيين قررت حسم معركتها الداخلية هناك والسيطرة رسمياً على الدولة اليمنية لإقامة الثيوقراطية المرتقبة في صنعاء.
طهران تدرك أن لديها أقل من سنة قبل أن تضربها معركة النفط وتتأثر بها مباشرة ويحول دون دعمها للجماعات والمنظمات المتطرفة التي ابتكرتها بدءاً من لبنان إلى سوريا والعراق وحتى دول مجلس التعاون الخليجي. وكان الوضع ممهداً لها جداً في العاصمة اليمنية، فقررت الإسراع بالسيطرة على الدولة. فماذا حدث الآن؟
يمكن القول إن إيران أنهت سياسة الكماشة التي عملت عليها منذ سنوات طويلة ومحورها استهداف دول مجلس التعاون الخليجي التي تختلف معها أيديولوجياً. فدول المنظومة الخليجية باتت بين فكي كماشة الجزء العلوي منها في العراق والشام، والجزء السفلي في اليمن، وبالتالي يمكن التعويل على تحريك الكماشة لمزيد من الضغط الذي سيسبب إزعاجاً أمنياً، وتحدياً سياسياً كبيراً على دول مجلس التعاون خلال الفترة المقبلة.
لا يتوقع أن تتجاوز ردود أفعال دول المجلس والمجتمع الدولي بيانات الاستنكار والتأكيد على أهمية الحوار الوطني والحفاظ على وحدة اليمن واستقراره. ولكن المشهد الداخلي المعقد يشير إلى أن هناك مستنقعاً كبيراً بصدد التشكل كما حدث في العراق، فسيطرة الحوثيين على الدولة اليمنية لن تنتهي بصعود نخبة سياسية جديدة، بل ستنتهي بحالة حادة من الصراع السياسي الذي سيقود لحرب أهلية طويلة المدى بين جماعة الحوثيين المتطرفة، وتنظيم القاعدة النشط هناك، والقبائل اليمنية المسلحة والنافذة هناك، وستتحول المعركة إلى صراع طائفي في شكل حرب أهلية.
بالتطورات الأخيرة، تحاول طهران تكوين أداة ضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لإرغامها على تغيير مواقفها تجاه معركة النفط، فإذا لم تغير هذه الدول مواقفها بإمكان طهران توليد المزيد من الضغوطات الأمنية والسياسية على الحدود الشمالية والجنوبية لدول مجلس التعاون، وبالمقابل لدى هذه الدول القدرة لمواجهة هذه التحديات لفترة مقبولة نسبياً، ولكنها ستكون مكلفة.
من أبرز نتائج سقوط اليمن بيد الحوثيين توقع موجة من النازحين اليمنيين خلال الشهور المقبلة بعد اشتعال الصراع هناك، وتحول دول الخليج العربية إلى بلدان مستقبلة للاجئين أكثر من أي وقت مضى، فالعراق والشام الملتهب دفع مئات الآلاف من اللاجئين إلى الانتقال لدول الخليج، والآن اشتعال اليمن سيأتي بالمزيد بعد أن جلب ما يسمى بـ»الربيع العربي» الآلاف أيضاً لهذه الدول.
ضغوطات أمنية ومالية ستتولد على دول المنطقة، ولكن حرباً إقليمية ستكون مستبعدة لأن المواجهة الخليجية-الإيرانية لا تعتمد على المواجهات المباشرة، بل تعتمد على نقل الصراعات إلى مناطق مجاورة. وبالتالي ستستمر المواجهات من خلال الطرف الثالث كما كانت موجودة سابقاً.
سياسة الكماشة الإيرانية خطرة للغاية، وهي التي ستحدد طبيعة التفاعلات الإقليمية على مدى السنوات المقبلة. وهناك مجموعة من الخيارات المتاحة لدول مجلس التعاون تتطلب الظروف الراهنة بحثها والإسراع في تنفيذها.