رُسمت خريطة العراق في العامين الماضيين بإحداثيات وضعتها آثار سيارات الدفع الرباعي لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»؛ وفي الأشهر القليلة الماضية، وفي محاولة تلفيقية لتجاوز حقيقة أن رسم الحدود يتم على الأرض بألوية المشاة المدرعة، ادعت طائرات التحالف أنها تخط في سماء الأنبار بدخان محركاتها حدوداً جديدة.
لكن كل من يستفتي الاستراتيجية يعلم أن هيئة أركان أبوبكر البغدادي كانت في العامين الماضيين قادرة على إرباك الخصوم وجعلهم يتفاعلون بشكل ارتجالي يمين ويسار خريطة العراق، ثم خسر «داعش» معركة عين العرب «كوباني»، ومنذ ذلك التاريخ والجميع يكرر جملة «سيشهد الربيع تحرير جميع المناطق من داعش»، فما ملامح مشهد حملة الربيع لتحرير الأنبار وما معوقاتها؟
تظهر ملامح المشهد القوات الأمريكية وهي تتجمع من جديد في العراق وفي دول خليجية قريبة استعداداً لهجوم الربيع 2015، وفي عودتهم للعراق يبدو أن على الأمريكان تقديم أوراق اعتماد جديدة، حيث يظهر في ملف الاعتماد:
- قوة مهمات خاصة أنشئت لهذا الغرض وسيكون مقرها في الكويت.
- تعزيز التواجد الأمريكي في العراق بـ3500 جندي إضافي.
- تعهدات من أستراليا وكندا والنرويج بإرسال قوات خاصة.
- ستقيم واشنطن أربعة معسكرات لتدريب 80 ألف جندي عراقي، اثنان منها في بغداد وواحد في أربيل، والرابع في الأنبار.
- ستسلح واشنطن 45 ألف جندي عراقي و15 ألف بشمركي و5 آلاف عشائري سني.
أما القوات العراقية في مشهد حملة الربيع فتظهر مدعومة بالطائرات الأمريكية المقاتلة ومئات الخبراء العسكريين المكلفين بإنجاز التخطيط للهجوم، حيث يسعون لتأهيل 3 فرق عسكرية عراقية تقارب الـ20 ألف جندي لتحقيق أهداف الحملة التي تشمل فتح الطرق الرئيسة التي تربط محافظات العراق. وتأمين الحدود مع سوريا، ثم عزل سرايا «داعش» في الموصل والرمادي ثم شن هجوم عليها قوامه القوات الحكومية وقوات البشمركة.
ومازالت النزعة الفوضوية تطبع تعامل قوات بغداد مع «داعش»، وإن كانت بدرجة أقل بحكم إمساك الأمريكان للأمور في سيناريو مكرر لما حدث حين فشل المالكي في هزيمة قوات جيش الإمام المهدي التابعة للسيد مقتدى الصدر حتى أعادت صولة الفرسان الأمريكية الأمور لنصابها، ورغم ذلك تبقى أمام حملة الربيع 2015 معضلات عدة منها:
- إشارة مصادر أمريكية أن القوات العراقية لن تكون جاهزة لمعركة الأنبار حتى أواخر 2015 وليس الربع الأول منه، فالتدريب يتعدى النظام المنظم والرماية الفردية، بل يجب أن يكون لاستيعاب أسلحة أمريكية معقدة وعمليات تنسيق نيران مضنية. إضافة لتأخر وصول الأسلحة الثقيلة للبشمركة والجيش العراقي. كما قد يؤخر الحملة اعتماد بغداد على فصائل شيعية وبشمركة وعشائر سنية، وفي هذا التشكيل القتالي بذور تنافس طائفي وقومي يجب حسمها أولاً.
- فقدان التحالف لعنصر المفاجأة حين أعلن عن هجوم الربيع؛ فهل سيقف قادة «داعش» مكتوفي الأيدي! وإذا كان التحالف في مرحلة إرسال الوعيد بالربيع ويبدو أن هذه هي الحدود القصوى للتحرك بالحرب النفسية؛ فداعش حالياً في مرحلة إجراءات ما قبل المعركة، مما دعا رئيس الأركان الجنرال ديمبسي لتدارك الخطأ قائلاً «القوات الأمريكية لا تجلس بلا حراك تنتظر الربيع، لكنها تعمل بهمة على إضعاف داعش في عدة مناطق».
وفيما نحن ننتظر حملة الربيع نكاد نجزم أن «داعش» يريدها أكثر من قوات التحالف ليثبت نفسه من جديد، كما نراهن أن «داعش» قد أنجز حشد صفوفه ودعم خطوطه الدفاعية ومناطق تراجعه وسبل تسلل رجاله لنقاط تجمع جديدة عبر الحدود المحيطة، ولفتح جبهات قتال جديدة باتجاه عرعر أو الأردن أو لبنان حينها سنرى أكبر تجمع للبؤس البشري من النازحين الفارين من جديد، إلا أن ما يقلقنا هو أن نرى ضربات استباقية ضد القوات الأمريكية في نقاط تجمعها في الخليج عبر الخلايا النائمة.