مناقشة النواب لبرنامج عمل الحكومة تتم لأول مرة طبقاً للتعديلات الدستورية الثانية، وهي تجربة جديدة للنواب القدامى ونظرائهم الجدد، وهي تجربة ستؤسس أعرافاً دستورية وسياسية للتجربة الديمقراطية البحرينية.
تعاطي النواب مع البرنامج حتى الآن مشابه كثيراً لتعاطيهم مع الميزانية العامة للدولة التي ينشغل فيها النواب مع أعضاء الحكومة في نقاش وجدال طويل يمتد لعدة أشهر يتذبذب في سقف مطالباته بين ارتفاع وانخفاض حسب الاحتياجات والرغبات والطموحات، وفي أحايين كثيرة يصل إلى مرحلة الصدامات بسبب تباين وجهات النظر والتصورات.
هذا المنهج لا ينفع في مناقشة برنامج عمل الحكومة، فرغم أهمية المشاريع التفصيلية ومؤشرات الأداء، إلا أن الحاجة الأهم الآن هي كيفية توفير الضمانات الحكومية لتنفيذ البرنامج، لأنه من دون الضمانات من الصعوبة بمكان المساءلة والمحاسبة، وهو الدور الذي يفترض أن يضطلع به المجلس النيابي خلال الفترة المقبلة بعد إقرار البرنامج.
طريقة إعداد البرنامج الحكومي، وتفاصيله واضحة ومعلنة وحتى مصادر إعداده المختلفة، لذلك ليس مطلوباً من النواب الانشغال كثيراً بتغيير تفاصيله وإجراء تعديلات جوهرية عليه بقدر ما هو مطلوب منهم بحث وتحديد مجموعة من الضمانات الكفيلة بمساءلة مسؤولي الحكومة في حالة عدم التنفيذ.
المجلس النيابي بحاجة سريعة إلى تغيير طريقة تعاطيه مع البرنامج من تحديد المطالبات إلى تحديد الضمانات. فالمطالبات التي يراها ويناقشها النواب الآن ستتاح لهم الفرصة والوقت الكافي لتحديدها عند إحالة الميزانية العامة للدولة خلال شهور قليلة من الآن.
وبالتالي الضمانات هي المطلوب تحديدها في هذا الوقت، خاصة إذا أدركنا أن برنامج عمل الحكومة يركز في مضمونه على جملة من المطالب والاحتياجات الشعبية والتي تتقاطع كثيراً في جوانبها مع البرامج الانتخابية للنواب.
الضمانات التي نتحدث عنها هنا كثيرة، وهي معمول بها في كثير من الديمقراطيات كالمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها، ومن أبرزها عقد سلسلة من الاجتماعات الدورية مع الحكومة لعرض إنجازها للبرنامج والتأكد من سير العمل، أو ضمانة أخرى مثل إلزام الحكومة بتقديم تقرير كل شهرين للمجلس النيابي حول مستجدات تنفيذ البرنامج.
وإذا أخلت الحكومة بتنفيذ البرنامج من خلال عدم الالتزام بالضمانات التي قدمتها يمكن للنواب استخدام الأدوات الرقابية الدستورية كما هو الحال بالنسبة للجان التحقيق أو الاستجوابات ومن الممكن أن تصل إلى طرح الثقة أو أداة عدم إمكانية التعاون مع الحكومة.
نتطلع من النواب إلى الاشتغال ببحث ضمانات لتنفيذ برنامج عمل الحكومة بدلاً من البحث عن خيارات ومطالب خيالية بعيدة عن الواقع.