أكثر المسائل المسكوت عنها وأكثرها إيلاماً خلال السنوات الماضية هي حوادث الاحتكاك الطائفي التي جاءت بعد أزمة 2011 باعتبارها حوادث غريبة تماماً على مجتمع البحرين، رغم أنه شهد تاريخياً مصادمات طائفية دامية كان أشهرها قبل 60 سنة.
السكوت عن حوادث الاحتكاك الطائفي سببه مهم ويعكس حقيقة الموضوع، فالسنة والشيعة وغيرهم من مكونات المجتمع يدركون جيداً أهمية التعايش السلمي المشترك وهي الطبيعة الأخلاقية التي جبلت عليها الشخصية البحرينية منذ مئات السنين، ومن الصعوبة بمكان تجاهلها أو التخلي عنها.
وبناءً على هذه المعطيات نلاحظ أن التغطيات الإعلامية في الصحافة التقليدية وحتى شبكات التواصل الاجتماعي شبه معدومة لمثل هذه الحوادث. فحتى إن وجدت فإن سياقها لا يجب أن يتجاوز الخلاف الشخصي بين مجموعة من الأفراد أو مجموعات من الأفراد وإن اختلفت انتماءاتهم، وغالباً ما يتم التحفظ على الحديث بشأنها باعتبارها «تابو» مجتمعياً.
وزير الداخلية بالأمس قدم حقائق مذهلة حول حوادث الاحتكاك الطائفي مقارنة بثلاثة أعوام ماضية «2012-2014»، فهذه الحوادث كانت في العام 2012 نحو 140 حادثاً وهو رقم كبير، ولكنه انخفض سريعاً في العام 2013 ليصل إلى 86 حادثاً، وينخفض أخيراً في العام الماضي 2014 إلى 19 حادثاً فقط.
اللافت أن هناك علاقة عكسية بين معدل الأمن والاستقرار وحوادث الاحتكاك الطائفي، فكلما زاد الأمن والاستقرار قل الاحتكاك الطائفي، والعكس صحيح. فمثل هذه الحوادث غير مرغوبة في المجتمع ومرفوضة من قبل كافة مكونات المجتمع، وينبغي النظر إليها على أنها مؤشر لحالة معينة يمر بها المجتمع.
الصدمة التاريخية التي مر بها المجتمع المحلي قبل 4 سنوات أحدثت هزة كبيرة في الثقة والعلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع، وشجعت قوى التطرف أكثر فأكثر، ولذلك شاهدنا كيف ظهرت التنظيمات المتطرفة التي لها انتشار محلي وامتداد خارجي، مثل خلايا حزب الله الإرهابية وخلايا داعش وغيرها. تصاعد موجة التطرف ساعدت على الإرهاب ونتج عنها استشهاد 14 رجل أمن وإصابة أكثر من 2800 رجل أمن جراء الحوادث الإرهابية المختلفة.
ورغـــم هذه الأحداث كلها، فقـــد تراجعت حوادث الاحتكاك الطائفي بنسبـة كبيرة خلال 3 أعوام، فمـــاذا يعني ذلك؟
المجتمع البحريني عانى من التطرف وما أسفر عنه من أعمال إرهابية متواصلة حتى وصل إلى قناعة مشتركة بأنه لا مكان لمثل هذا التطرف في مجتمع تعددي كالبحرين، فبدأ عملية نبذ التطرف واجتثاثه تلقائياً، ولذلك تراجعت حوادث الاحتكاك الطائفي، ويبدو أنها ستتلاشى نهائياً إلا إذا ظل نشاط الجماعات المتطرفة مستمراً.
نحن الآن أمام حالة تصحيحية يقوم بها المجتمع نفسه بشكل تلقائي، كما قام بهذه الحركة التصحيحية عندما قرر المشاركة الإيجابية في انتخابات 2014 رغم الدعوات الإرهابية للمقاطعة والتي فشلت فشلاً ذريعاً.