النخيل تعطي التمور دون مقابل ودون أن تطالب أحد بالشكر، ودون أن تستاء إذا لم تر أحداً يهتم، يكفيها إنتاجها لهذه التمور، وأية مشاعر تمر بها وهي تقوم بدورها في الحياة، وكذلك تفعل الزهور والأنهار والأراضي وكل شي موجود في هذا الكوكب.
لا أحد غير الإنسان يطالب دائماً بالأجر على ما قام به أو قدمه من عمل، سواء كان عملاً عضلياً أو عملاً فكرياً، بعض الفنانين يطالب بالأجر حتى قبل أن يقوم بالعمل متصوراً أنه إذا لم يقم بذلك سيكون العمل فاشلاً، لأنه لم يشارك فيها، ولا يدري أنه واحد من المساهمين بهذا العمل، إن لم يقم به سيقوم به غيره، وهكذا تستمر الحياة.
إن لكل واحد دوره في عملية العطاء، فالنخيل لا يمكن أن تقوم بدورها الحقيقي إن لم تستطع أن تقدم شيئاً إلى الآخرين، وتموت مباشرة إن لم تفعل ذلك، وإذا نضجت الوردة فإنها لا بد أن تنشر عطرها في الفضاء الكوني لتشعر بمعناها وأهمية وجودها.
كان لي موعد مع كتاب جديد من الكتب التي تلامس القلب في معرض الأيام الأخير الذي أقيم في مركز المعارض، كتاب انتظرته بعض الوقت للتواصل مع حروفه وكلماته الحكيمة «أهل الطريق.. محادثات عن التصوف» يطرح الحكيم الهندي الكبير أوشو أن رجلاً غنياً طلب من بعض العمال أن يؤدوا له عملاً في حديقته.
بعد الظهر شعر أن عددهم ليس كافياً، وأن العمل لن يكتمل بحلول المساء، فقام باستدعاء المزيد من العمال، بحلول المساء تبين أيضاً أن ذلك ليس بالعدد الكافي فأتى بالمزيد من العمال.
عند المغيب أعطى الرجل الغني الأجور إلى العمال كلهم على نحو متساو؛ أولئك الذين جاءوا منذ الصباح أخذوا المبلغ نفسه الذي حصل عليه من جاءوا بعد الظهيرة، وكذلك الأمر حصل للذين وصلوا مع غروب الشمس على المبلغ نفسه.
على نحو طبيعي شعر العمال الذين جاءوا صباحاً بالغضب، فاعترضوا وقالوا «هذا ليس عدلاً.. لقد جئنا منذ الصباح وقمنا بالعمل كاملاً على مدى النهار كله، ثم نحصل على الأجر نفسه الذي حصل عليه هؤلاء الذين جاءوا لتوهم ولم يقوموا بأي عمل، هذا ليس عدلاً».
ضحك الرجل الغني وكان معلماً وقال «هل تعتبرون ما تلقيتموه من أجر ليس كافياً على العمل الذي قمتم به؟»، قالوا «بل هو كافٍ، ولكن ماذا عن أولئك الذين لم يقوموا بأي عمل، وها هم يتلقون الأجر نفسه»، قال المعلم «لقد أعطيتهم من الغنى الموجود عندي، ألا يمكنني أن أعطي من أموالي ما أشاء؟ إنه مالي أنا، لقد حصلتم على أجركم مقابل العمل الذي أديتموه، ألا يمكنني أن ارمي من أموالي؟ ما وجه اعتراضكم؟ لماذا أنتم قلقون»، كان المسيح يقول دائماً «إن هذا الإنسان كريم، ورجل صدقة، إنه يعطي عن ظهر غنى».
بهذا أنك لا تعطي الآخر أو المحتاج الصدقة فقط لأنه محتاج ولإشعاره بالخير الدائم في هذه الأرض المعطاء، إنما تعطيه من خيرك لأن دورك أن تعطيه، ومهمتك الحياتية هي أن تقوم بذلك دون إبطاء.
فأنت تعطي مما أعطاك الله، ليس من أجل الشعور بالراحة النفسية والسعادة والحبور لأنك أديت واجباً دينياً أو جميلاً، تقوم بذلك لأن مهمتك أن تعطي.