بصراحة لا ندري ما نقول ونحن نسمع من أولياء أمور الطلبة قيمة المبالغ الفلكية التي يتكسب منها المدرسون الخصوصيون خلال الموسم المدرسي والامتحانات النهائية، وقيامهم بتغيير «تسعيرة الأسعار» بعد كل فترة بحجج واهية فقط لأجل استغلال حاجة ومعوزة أولياء الأمور في ضمان نجاح أبنائهم، وكأن التعليم المدرسي أصبح «بزنس خاص» لهؤلاء.
سؤال يطرح نفسه؛ هل تابع أحد المراقبين في وزارة التربية والتعليم مشاهد تكدس الطلبة عصراً ومساء عند المعاهد ومنازل هؤلاء المدرسين، وحاول الوقوف على الأسباب التي تدفع للاتجاه إلى الدروس الخصوصية؟ هل حاول أحد المسؤولين تدارك قصص التحرشات التي تتم بين الطلبة الذين يختلطون ببعضهم البعض وهم ينتظرون أولياء أمورهم أو السيارات التي توصلهم لمنازلهم من جهه ومن المدرسين أنفسهم؟ وآخرها قصة تحرش مدرس لغة إنجليزية في محافظة الوسطى بطالبة وتحرش مدرس في الأربعينات بفتيات في المرحلة الابتدائية خلال تواجدهن في منزله للحصول على دروس خصوصية؟ هل فطن أن ذلك قد يأتي بسبب عدم انتفاع الطالب من الدروس التي تقدم له صباحاً في المدرسة؟
هل ينتبه أحد المسؤولين إلى أن النسبة الكبيرة من الطلبة التي تضطر لحضور الدروس الخصوصية قد تكون نسبتها مؤشراً يعكس أن جودة التعليم المدرسي لدينا بحاجة إلى إعادة النظر؟
سابقاً كان معروفاً أن الطلبة الذين يتجهون لحضور الدروس الخصوصية عادة ما تكون مسألة الإدراك والتعلم عندهم بطيئة، لدرجة أن الطلبة أنفسهم يتطوعون أحيانا خلال الفسحة المدرسية لتدريس زملائهم، فيما المشهد الحاصل اليوم أن ما نسبته 90% من الطلبة بحاجة لأخذ دروس خصوصية، فلا يوجد منزل واحد لا يضطر فيه ولي أمر لاصطحاب ابنه أو ابنته لهذه الدروس التي تستنزف نصف راتبه، ما يعني أن هناك ضرورة تفرض نفسها بدراسة الأسباب ومحاولة معالجتها دون تركها عائمة هكذا.
إحدى وليات الأمور تقول؛ منذ سبع سنوات أعكف على إيصال ابنتي إلى المدرسين الخصوصيين الذين يقومون بتدريس كل المواد ما عدا الإنجليزي والفرنسي والرياضيات بما قيمته 35 دينار شهرياً، فيما يحضر مدرسو اللغة الإنجليزية والرياضيات كلاً على حدة لأدفع على كل مادة ما قيمته 120 ديناراََ شهرياً فيما تكلفني مادة اللغة الفرنسية 150 ديناراً أي ما تكلفته 390 ديناراً للابن الواحد شهرياً.
أحد المدرسين حول منزله الخاص إلى ساحة مدرسية يكدس فيها أعداداً كبيرة من الطلبة الذين يشرع في تدرسيهم مرة واحدة، وكل له تسعيرته الخاصة، حيث يأخذ على كل طالب ما قيمته 8 دنانير للساعة الواحدة، حتى وصلت قيمة الساعة الواحدة لبعض المواد كاللغة الفرنسية إلى 15 ديناراً، يعني تخيلوا قيمة المبالغ التي يتكبدها ولي الأمر فيما إذا قرر تدريس ابنه ساعتين أسبوعيا لكل المواد، أما المواد العلمية فأسعارها ترتفع أكثر، حيث تبلغ قيمة الساعة الواحدة فقط في أحسن الظروف وبـ «الواسطة» عشرة دنانير.
المصيبة عندما يكون من يتولى عملية التدريس شخصاً لا يملك سوى مؤهل الدبلوم، كإحدى المدرسات التي قامت بتكديس 25 طالباً وطالبة لتدرسهم جميع المواد ما عدى المواد العلمية بقيمة 35 ديناراً لكل طالب، وتخيلوا المشاكل التي تتم جراء اختلاطهم ببعضهم البعض وهم في سن مراهقة، وكل ذلك لأجل تجميع الأموال، وفي النهاية رسوب بعضهم وإعادتهم لبعض المواد، فبعض أولياء الأمور غير قادرين على اكتشاف إمكانيات المدرس التعليمية، خاصة وأنه لا يوجد قانون يجبرهم على الإفصاح على مستوى مؤهلاتهم العلمية، هناك مدرسون يطلبون من ولي الأمر إحضار الطالب الساعة الثانية والنصف ظهراً، أي أن الطالب يكون قد عاد للتو من المدرسة ويخبر المدرس والده أنه سيتصل به عندما ينتهي من تدريسه ولا يتصل به إلا الساعة السابعة مساء، حينما ينتظر الطالب دوره وسط «معمعة» تكدس الطلبة والطالبات، وغالباً هذا المدرس لا يجد وقتاً لتدريسه سوى ساعة في أحسن الأحوال، فيأتي الطالب وهو مجهد متعب لا يملك الوقت لإنهاء واجبات المواد الأخرى مما يؤثر على تحصيله الدراسي بالكامل.
وطبعاً كل ذلك «كوم» وقضية التحرشات «كوم» آخر، فالمدرسة التي تنهك نفسها في تدريس هذا العدد الهائل من الطلبة في نفس الوقت لن تتابعهم جميعاً، حيث احتمال التعرض للتحرش يكون كبيراً، خاصة عندما يكون التدريس مختلطاً، تقول إحدى وليات الأمور «اكتشفت أن ابنتي تعرضت للتحرش من شقيق المدرسة الأجنبية التي تدرسها، حيث كان يقف لانتظارها وقت الخروج ويقوم بخلع قميصه بالكامل أمامها، وصحيح أنني قمت بتغيير المدرسة لكن تأخري ولو نصف ساعة عن موعد خروج ابنتي من هذه المنازل أو المعاهد الخاصة قد يعرضها للتحرش من أي شاب عابث، كما أن المشكله تزداد عندما نضطر لجعل رجل يقوم بتدريسها وهي في سن المراهقة، وبعض هؤلاء المدرسين نفوسهم ضعيفة مع البنات.
بعض المدرسين في أواخر الأيام الدراسية يسمح للطلبة بالتغيب للتفرغ مساء لتدريسهم، رغم أنه سابقاً كانت إدارة المدرسة تلزم المدرسين بمنح دروس تقوية للطلبة، خاصة إذا ما انتهى من المنهج ولم تنته الأيام الرسمية للدوام، وبعض المدرسين يقوم هو وزوجته بتدريس الطلبة، والطامة الكبرى عندما يتولى المدرس تدريس الطالبات المراهقات بزعم وجود زوجته معه، والتي بالأصل تكون مشغولة مع طلبة المرحلة الابتدائية ولا تدري عنهم.
كثير من أولياء الأمور يشتكي من مسألة استنزاف راتبه بالكامل على هذه الدروس الخصوصية، فكل ابن لديه يحتاج هذه الدروس مهما كان مستوى ذكائه، حتى اضطر الكثير منهم إلى الاقتراض، خاصة خلال موسم الامتحانات أو الدخول في جمعيات خصيصاً لهذا الموسم، كما أن قيام هؤلاء المدرسين برفع تسعيرة الدرس كل فترة رغم ثبات الراتب وعدم تغييره مشكلة أخرى.
كل هذه القصص المأساوية تعد مؤشرات تستدعي إيجاد تنظيم وتشريع خاص ينظم هذه العملية قبل تفاقمها وأخذها لمنحنيات أخرى، فهذه الدروس باتت مصدراً أساسياً للدخل من قبل مدرسين ومدرسات لا يخافون الله ويتقونه فيما يفعلون، وقد يتعمدون عدم تدريسهم جيداً للاتفاق مع الطالب على أن يأتيهم مساء لتعليمه إلى جانب أنها تفتح أبواب التحرشات والتكسب غير المشروع، بل قد تؤدي مستقبلاً إلى استغلالها في تسييس الطلبة أو في أمور لا تحمد عقباها فيما لو نظر لها أحد نظرة أبعد من النظرة التعليمية، فهي لها أبعاد أمنية واجتماعية خطيرة جداً.
وقد تكون المسؤولية تقع على ولي الأمر في ذلك، لكن الدور الأكبر منها يقع على وزارة التربية والتعليم، حيث هناك حاجة ماسة لدراسة هذه الظاهرة الآخذة في الازدياد ومتابعة كل منزل يفتح أبوابه للتدريس والمؤهل العلمي للمدرس وإيجاد تشريع ينظم عملية الدروس الخصوصية؛ كأن تتولى وزارة التربية والتعليم الإشراف على هذه العملية بحيث تقوم رسمياً بافتتاح الصالات الرياضية مساء للطلبة وتسجيل المدرسين الراغبين في منح دروس التقوية لاستقبالهم في مباني المدارس الحكومية، مع أخذ نسبة من قيمة المبالغ والاستفادة منها أو إشراف الهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب، بحيث تقنن هذه المسألة إما عن طريق المعاهد مع متابعتها ومراقبتها أو مع المدرسين من ذوي المؤهلات وإلزامهم بمبالغ محددة تتناسب مع مقدرة ولي الأمر.
نعود لنؤكد أن حاجة الطلبة للدروس الخصوصية قد تعطي مؤشراً لأهمية استبدال طرق التعليم القديمة بالحديثة في مدارسنا، كاتباع نظم التعليم باللعب المطبقة في الأنظمة التعليمية بالدول الغربية بدل مناهج الحشو التي عادة ما ينساها الطالب فور تخرجه، كما أننا نجدد الدعوة التي أطلقناها في مقالات سابقة إلى أهمية الاطلاع على النظام المتبع في برنامج ولي العهد التدريبي العملي الصيفي لطلبة المنح الدراسية العالمية واقتباسه للحد من هذه الظاهرة.