من الواضح أن بعض الإخوة النواب ما زال يجهل واقع موضوع برنامج عمل الحكومة، أو أن بعض النواب الجدد ربما لديه خلط بين الميزانيه العامة وبين برنامج عمل الحكومة.
من حق الإخوة النواب أن يطالبوا ببرنامج عمل يلبي تطلعات الناس، ومن حق السادة النواب أن يطالبوا بوضع أولويات للمرحلة المقبلة، ومن حق السادة النواب أيضاً أن يقولوا إننا نريد أولوية كذا على كذا كونهم مجلساً تشريعياً منتخباً.
لكن السؤال قبل ذلك؛ هل الأولويات موجودة لدى المجلس قبل أن نطالب بها الحكومة؟
هل المجلس يعرف الأولويات ويعرف التحديات؟ بمعنى أن أي المطالبات بأمور ربما ليست في صلب احتياجات الناس فإنها ستكون أرقاماً إضافية في الميزانيه العامة؟
وبالتالي، فإن مشكلة المطالبات في برنامج عمل الحكومة قد يفجر مشكلة تمويل في الميزانية العامة التي ستقدم في شهر مارس، من هنا فإن بعض الإخوة النواب ربما متحمس ومندفع، لكنه يجهل أن أية مطالبات إضافية في برنامج عمل الحكومة قد يحدث (أزمة مؤجلة) أو ما يسمى أزمة تمويل، وذلك بعد شهرين من الآن، فلا يوجد برنامج عمل دون تمويل ومخصصات.
نعم نريد أصواتاً وطنية في مجلس النواب تشير إلى الأخطاء أو القصور في برنامج الحكومة إن وجد، لكن لا نريد كمواطنين أصوات خلقت لتعترض دون أن يكون للاعتراض مسوغات حقيقية واقعية.
ربما مازال بعض الإخوة النواب المندفعين يظن أن رفع الصوت والاعتراض سيجعل منه نائباً قوياً، غير أن التجربة أظهرت أن الاندفاع قد يكون مكلفاً، وقد يجعل البعض يندم على اندفاعه.
قبل أن أذهب إلى ثالوث المطالب للمواطن، فإن الأمن هو أبو المطالب للناس، أصواتهم في أذني مازالت حين حلت أزمة الانقلاب في 2011، كانوا يقولون لا نريد زيادة رواتب ولا أي شيء، نريد أن ترجع لنا البحرين كما كانت.
أعتقد أن الأمن للوطن والمواطن هو أبو المطالب، وهو أهم ما ينادي به الناس، فلا معيشة ولا تنمية ولا اقتصاد ولا تجارة ولا استثمار ولا سياحة من دون أمن.
ما الذي جعل مليوني سائح يتوافدون على دبي في رأس السنة رغم ارتفاع أسعار الفنادق، ورغم ارتفاع أسعار تذاكر السفر سوى أن في دبي أمناً وأماناً.
الأمن يجب أن يكون ركيزة برنامج عمل الحكومة ويجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة من الدولة لمواجهة الإرهاب في الأعوام الأربعة القادمة.
لا أعرف أين سيكون الأمن من برنامج عمل الحكومة وأين سيكون الأمن من أولويات النواب؟
هناك ثالوث المطالب لدى الناس (الإسكان، الصحة، التعليم) غير أن وسط هذا الثالوث يقع مطلب تحسين معيشة المواطن وهذا المطلب متشعب، وليس في باب واحد، بمعنى لو جاءت زيادة في الرواتب على سبيل المثال، فإن هناك أزمة أخرى تحدث في السوق وهي ارتفاع الأسعار والإيجارات وهذا يعني الزيادة تأتي من هنا وتذهب هناك، خاصة أن الرقابة على الأسواق ضعيفة جداً.
شخصياً أتمنى أن يحدث توافق نيابي حكومي على أولويات المرحلة القادمة، نتمنى أن يكون هناك توافق ووصول إلى نقطة بالمنتصف بين الحكومة والنواب وأن يصب ذلك في مصلحة المواطن، هذا ما نتمناه أن يحدث وإننا نحسب أن الجهتين هدفهما المواطن، وإن كان كذلك فأتمنى أن نصل إلى توافق حكومي نيابي لا يعطل مصلحة البلاد ولا ندخل في فراغ تنفيذي وتشريعي.
لدينا أسئلة مهمة..
أين سيكون مشروع مطار البحرين من برنامج عمل الحكومة، ومن الميزانية على حد سواء؟
أين سيكون مشروع تطوير شبكة الطرق والمواصلات كاستراتيجية للدولة؟ فما نفعله اليوم إنما هو ضمن سياسة نقل الازدحام وهذا لا يحل الأزمة ولكن ينقلها من مكان إلى آخر
لا أعرف أين سيكون برنامج الأمن الغذائي من برنامج عمل الحكومة ونحن نستورد كل شيء؟
لا أعرف أين ستكون مشاريع السياحة العائلية من برنامج عمل الحكومة ونحن في أزمة انخفاض أسعار النفط ولم نوجد أي صناعة بديلة كل هذه السنوات؟ الدولة حتى اليوم لا تضع صناعة السياحة كأولويه وهذا مؤسف ومحبط.
ماذا فعلنا لتعزيز مركزنا المالي؟
هل نحن على الطريق الصحيح أم أننا فقدان الأمن فقدنا الكثير من مركزنا المالي، خاصة في الصيرفة الإسلامية؟
دبي أقرت ميزانيتها من غير أي عجز، بعد كبوة 2008، إلا أنها استعادت قوتها ووقفت من جديد بفضل الأمن والسياحة ونحن نفتقد الاثنين.
نريد مجلس نواب قوي، وقبل ذلك نريد مجلس نواب واقعي، فالمطالبات الإضافية ستشكل أرقام إضافية بالميزانية العامة في الوقت الذي لم تضع المجالس السابقة حلولاً للدين العام، بل إن الدين العام يزداد وقد ندخل مرحلة خطر.
على الحكومة أن تضع برنامج مرتبط بمعيشة الناس ويعبر عن احتياجاتهم الحقيقية وأولها الأمن، وعلى مجلس النواب أن يدرك أن المناكفة من أجل المناكفة ستكون مكلفة، خاصة إذا ما وصلنا إلى المرحلة الثانية من رفض برنامج عمل الحكومة، وإذا تعلق الأمر بحل مجلس النواب، وأغلبكم لم يصدق أنه وصل، وأن حل المجلس فعلاً سيصبح الوصول إليه حلماً، وأنتم تعرفون ماذا أقول.