جميع الدول التي نهضت وحققت تقدماً في كافة القطاعات التقنية والصناعية والمالية والخدمية اعتمدت على التعليم في تحقيق هذه النهضة وبلوغ التقدم، دول وجهت إيرادات كبيرة نحو التعليم وسخرت طاقات ووضعت خططاً وأهدافاً تصل كلها إلى تخريج مئات الآلاف إن لم نقل الملايين من المواطنين المختصين المبدعين، المبتكرين الذين يغذون ويغطون احتياجات القطاعات الاقتصادية الإنتاجية في جميع المجالات.
ولذا فإن أمنيتنا في العام الجديد والذي يليه أن يشهد التعليم تحولاً جذرياً، وأن يدار بعقلية مختلفة تماماً عن العقلية الحالية التي تهتم بالكم وليس بالكيف وبعدم اكتراثها بمصير الذين يتخرجون من الثانوية والجامعة ولا بالدور الذي عليهم أن يلعبوه والمساهمة المنتظرة منهم في حركة التنمية الشاملة في وطنهم.
منذ سنوات طويلة ونحن نطالب بربط مخرجات التعليم بسوق العمل أو بالأحرى بالتنمية، لكن الواقع يقول لنا دائماً إن التعليم في واد والتنمية في واد آخر، بل إن التعليم لا ملامح له ولا توجهات محددة والتنمية لا أهداف ولا توجهات معروفة لها وبالتالي حدث الطلاق بينهما قبل الزواج وأصبح الطالب يدخل المدرسة أو الجامعة ليدرس ما يتوافق مع مزاجه أو رغباته وما يعتقد أنه ينفعه في مستقبله، والوزارة والمدرسة والجامعة تحترم مزاجه وتتركه على كيفه لأنها لا تملك له كيفاً آخر يربط بين احتياجاته واحتياجات وطنه، وبين مستقبله ومستقبل التنمية في هذا الوطن.
التعليم في الصين واليابان وكوريا والهند والبلدان التي أبهرت العالم في التقدم التقني والصناعي والعلمي وهي لا تملك موارد طبيعية مثل النفط، ربط نفسه بالتنمية، حيث تحدد خطط التنمية في القطاعات المختلفة احتياجاتها من التنمية البشرية بالتخصصات والتوجهات والإعداد، ومن ثم ينخرط الطلبة في المدارس والكليات والمعاهد والجامعات للدراسة الملبية لمتطلبات التنمية في مجالاتها المتخصصة والمحددة والمعروفة سلفاً.
التعليم في تلك البلدان هو ما نريد أن نراه في وطننا، تعليم يعتمد على التخطيط وعلى تنمية العقول وعلى إعداد المبدعين وبناء الأفكار الحرة المبتكرة المنافسة والمتحدية والناقدة، تعليم يخرج ما تريده السوق وما تطلبه التنمية.