نحن أمة التوحيد، التي تؤمن بالله ورسوله، الأمة التي ظهرت من بطن مكة، تلك القرية الصخرية النائية في البادية، قرية لا تقع على ضفاف أنهار، ولا سواحل بحار، أمة خرج منها رجل يتيم الأبوين، لا يملك قنطاراً ولا ديناراً، ولكنه ملك الدنيا، من أولها لآخرها، وصار رسول الأنام، محمد عليه الصلاة والسلام، فكيف بأمة خرجت، بعد أن تخفى رسولها وصاحبه، عن أعداء، فإذا به يخرج منتصراً من غار، فهذه قصة الأمة التي اندحرت أمامها جيوش الفرس والروم، وانكسرت أمام أقدامها، أفيال قيصر وكسرى، الذين جاؤوا محملين بالمنجنيق، ومتسلحين بالدروع والسهام والسيوف، فإذا بهم يدينون له بالولاء، ويسلمون له القصور والزروع، إنها الإرادة الإلهية التي لا يقف أمامها متجبر مغرور، مهما بلغت سطوته وعتيه، والأمثلة كثيرة من بطولات هذه الأمة، التي سطر مجدها رجال، قادوا الجيوش وطردوا المحتلين والغزاة، حتى امتدت هذه الأمة حتى اليوم، وهي ولله الحمد بكامل قوتها وعدتها، فالخير في هذه الأمة باق إلى قيام الساعة.
ولا بد هنا أن نضرب مثال على مجد الأمة، نذكر فيه، الطليان والألمان والأمريكان وإيران، برجل طاعن في السن، قاد مجاهدين، حرروا البلاد من الغزاة، أنه عمر المختار، كان رجل واحد، ولكن كانت له عزيمة ملايين، عندما حمل كتاب الله بيد، ورفع سلاحه باليد الأخرى، فلم يحتم بقوة أجنبية، ولم يطلب نجدة من دولة غربية، أو حتى عربية، بل كان قوام جيشه خيرة الرجال، رجال لم يطلبون سلطة، ولم يقدمون مطالب بمخصصات وخدمات مقابل جهادهم - مثلما فعلت شخصيات دون تحديد أسماء، حينما تقدموا إلى الدولة يطالبون بمزايا ومخصصات بدعوى أنهم بذلوا مجهود وحموا البلاد بمجرد وقفة أو خطبة أو لسان - ونعود إلى شيخ المجاهدين، الذي طرد الطليان، وهو متوشح بزيه الوطني، الذي لم يخلعه حتى لحظة إعدامه، فتقدم بكل إيمان وثقة، لم ينكر فيها جهاده ولا دفاعه، ولم يدع «السلمية»، ولم يدع القيام بأعمال «بطولية»، ثم يتباكى ويطلب «النجدة والاستغاثة»، فهذا هو منهج الخونة والعملاء الذين يخدمون أعداء البلاد، فالبطل الشجاع، نفسه لا تسمح له بالتنكر والتخفي، كمثال صلاح الدين الذي أعلن الحرب والجهاد، ووفقه الله لتحرير القدس والمسجد الأقصى، فهكذا النوايا، التي ينصر الله أصحابها، ويمدهم بمدد من جنوده في الأرض والسماء.
ولا يظن أعداء البلاد، الذين اليوم يقفون مع عملائهم، بأن هذه الأمة قد انتهت وذهب رجالها، بل هذه الأمة اليوم حاضرة، بكل قوة من أنظمتها وشعوبها، وإن استخدمت «التكتيك والسياسة»، فما هذا إلا لزوم الظروف مثلها كمثل شعرة معاوية. إذن، من يقف اليوم يساند الخونة، هو نفسه من وقف ضد العرب في حربهم لنصرة الإسلام، فالعهد والود بينهم قديم، والحقد على أمة الإسلام في قلوبهم دفين، إذن اليوم ما يحصل هو صورة طبق الأصل، مما حدث من خيانة، أيام الدولة العثمانية، واليوم الدول العربية بالنسبة لهم المملكة الإسلامية، التي يسعون إلى هدمها وزوالها بمعاونة عملائهم، الذين كشف الله سرهم وأخزاهم، وها هو اليوم واحد من رؤوسهم يكشفه الله، ويكشف عمالته، عندما تداعت إيران وأمريكا لنصرته، وما هذا إلا دليل على أن ما حدث اليوم في البحرين، ما هو إلا تخطيط أمريكي إيراني، يريدون أن تكون البحرين الممر والمعبر لمملكة الإسلام، الذين اجتهدوا وتعبوا من أجل سلبها ملكها وتفتيتها، فحاولوا بشتى الطرق من تغريب وغسيل عقول لأبنائها، كي يكونوا معاول هدم لدينهم وبلدانهم، ولكن تكللت مساعيهم بالفشل والندم، لأن الله يبدلهم بغيرهم، بقوم يحبهم ويحبونهم، ينصرون أمتهم ويعيدون مجدهم، وما يحدث اليوم في الأمة هو تصميم وإرادة، بأن لا ترضخ لابتزاز ولا تخاف اهتزازاً، بل كلما توغلت أمريكا في غيها وازدادت غروراً نتج عنه اتحاد وعزيمة وشحنت نفوس أبناء الأمة عليها. فهذه الأمة أنجبت رجالاً لا يخافون متفجرات ولا سلاحاً، وها قد جربتهم أمريكا في العراق وفي أفغانستان، بل وكلما زادت إيران في بجاحتها ووقاحتها وواصلت إجرامها وإرهابها، فهذا أيضاً يصب في مصلحة الأمة التي انكشف عنها الضباب وتبدد عن سمائها السحاب، فعرفت عدوها الأزلي، وأصرت أن تقارعه وتواجهه، وهذه هي تجربتها في سوريا وفي العراق التي كل يوم يرسل أبطالها جثث جنرالاتها ملفوفة أشلاؤهم في قراطيس يحملون إليها براً وجواً في توابيت.
ولا بد هنا أن نوجه كلمة إلى أمريكا، ونقول لها أن تكف شرها وتقصر لسانها، فالظروف اليوم ليست في صالحها ولا في صالح إيران، فلقد تبدلت العزائم وعلت الهمم، وإذا كان يهمها اليوم ذراعها الذي التوى، فيمكنها أن تأخذه وتعصبه وتلفه، فشعرة معاوية اليوم قد اشتدت بعد أن أصبح ارتخاؤها غير فعال.