أطراف عدة تحاول مجدداً اختبار الديمقراطية البحرينية من أجل التأكد من استمرار نفوذها السياسي، والتأكد من تأييد الجماهير لها. ففي الوقت الذي تمكنت فيه الدولة من بسط سيادتها وفرض هيبتها على الجميع، يظهر من يهدد ويتوعد الدولة وهيبتها إذا تم المساس بإحدى الشخصيات السياسية أو الدينية اعتقاداً بأن هذه الخطوة من شأنها المساس بـ«الطائفة» أو «المذهب» أو «الدين».. إلخ.
بالمقابل هناك أطراف أخرى تحاول اختبار الديمقراطية البحرينية التي تمكنت الجماهير من حسم مساراتها، وتلوح بتهديداتها المبكرة قبل طرح برنامج عمل الحكومة، وفي الوقت نفسه تحاول استنساخ تجربة برلمان 2002 عندما كانت هناك كتل برلمانية سنية وكتلة شيعية، والجميع حول مصلحة الوطن إلى مصالح طائفية أو خاصة حتى صارت هذه المصلحة الوطنية هي المصلحة الخاصة.
اختبار الديمقراطية أمر ممكن ولكن عبر القنوات الدستورية، لا عبر المواجهات السياسية التي دائماً ما تنتهي بالفشل. وفي السابق كانت الجمعيات والقوى السياسية هي التي تملك النفوذ وتفرض أجندتها، ولكن المعادلة اليوم اختلفت تماماً فصار حراك هذه القوى مرهوناً بإرادة الجماهير ورغبتها وقناعتها واتجاهاتها، كما حدث في انتخابات 2014 عندما ظنت الجمعيات أن دعوتها للمقاطعة ستثني المواطنين عن المشاركة الانتخابية فكانت الصدمة، وكما ظنت بعض الجمعيات في الانتخابات نفسها أن ستكتسح وستنال عدداً كبيراً من المقاعد البرلمانية، ولكنها انتهت بصدمة تاريخية عندما لم يتجاوز عدد نوابها في المجلس النيابي شخصين فقط!
اختبار الديمقراطية البحرينية قد يكون شعار المرحلة المقبلة، وهو تحدٍ كبير بلاشك، وتبقى التساؤلات حول موقف البرلمان والحكومة من هذه الاختبارات باعتبارها محاولات ستتكرر مرات ومرات. واستمرار الاختبارات يجب ألا يعطل مسيرة التحول الديمقراطي أكثر مما تعطلت عندما تم اختطاف ديمقراطيتنا.
في أي اختبار فإن مصيره النجاح أو الفشل، ونتحدث هنا عـن الديمقراطيـــة البحرينيـة التي يجب أن تنجح، وفشل يجب أن يلازم المتربصين بها. لكل اختبار حدود، ولكل حد صبر معين، ولا يمكن الاستمرار إلى حين نفاد الصبر، ولا نقصد صبر أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل صبر المواطنين الذي اختبر وامتحن مرات كثيرة منذ عدة أعوام.
الاختبار الذاتي للديمقراطية ظاهرة إيجابية إذا كان الهدف منها التأكد من قوتها وعمقها ومدى استقرارها وقدرتها على تجميع المصالح والمطالب المختلفة في عملية معقدة تمثل جوهر الديمقراطية. ولكنها تتحول إلى ظاهرة سلبية منبوذة تتطلب مواجهة حقيقية وصارمة عندما يتعلق التحدي بالوجود الكياني لها.