قد يكون الحديث عن الصورة التي نتمنى أن يكون عليها الاقتصاد متأخراً أو أنه يأتي في الوقت الضائع على اعتبار أن الحكومة قد انتهت من إعداد برنامجها للسنوات الأربع القادمة وأن مجلس الوزراء قد اطلع على مشروع الميزانية العامة للعامين 2015-2016 وأجل بحثها ومن ثم إحالتها إلى مجلسي النواب والشورى، لكن الأمل يبقى في تصحيح الصورة من قبل السلطة التشريعية من ناحية ومن قبل الحكومة نفسها أيضاً.
وإذا ما بدأنا برسم صورة الاقتصاد انطلاقاً من الميزانية العامة للدولة باعتبارها الوعاء الذي تصب فيه الإيرادات العامة بأنواعها وأحجامها ومصادرها المختلفة، وتخرج وتتوزع منه مصروفات الدولة إلى دوائر ومجالات وأنشطة وجهات متعددة فسنرى أن قانون الميزانية في مادته الثانية يحدد هدفه في «تحقيق الإدارة الحديثة وإعداد وإدارة الميزانية والرقابة على الإيرادات والمصروفات والموجودات والمطلوبات الحكومية لدى جميع الوزارات والجهات الخاضعة لهذا القانون بما يحقق الشفافية والمساءلة».
وفي مكان آخر يعرف القانون الميزانية العامة للدولة بأنها «أداة السياسة المالية للدولة وتتضمن بيان الإيرادات المقدر تحصيلها والمصروفات المقدر إنفاقها للحكومة خلال سنة مالية معينة وبما يحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي، من خلال التخصيص العادل للموارد الوطنية ليتم استغلالها بكل كفاءة وفاعلية».
المادة «5» من القانون تذهب إلى أبعد من ذلك، فتحت عنوان «اختصاصات الوزارة – وزارة المالية – في ما يتعلق بالميزانية العامة» تقول « تتولى الوزارة بوجه عام وضع الاستراتيجية الاقتصادية للدولة، وكذلك وضع وتطبيق سياسات الحكومة المالية والاقتصادية ومتابعة تنفيذها، بما يضمن تحقيق الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي وتطوير الإطار العام للسياسة المالية الحكومية في ظل سياسة الاقتصاد الكلي، وتقوم بمراجعة وتقييم البرامج الاقتصادية والمالية وإجراء التخطيط الاقتصادي».
فإذا كان قانون الميزانية يدعو إلى تحقيق الشفافية والمساءلة وإلى تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي من خلال التخصيص العادل للموارد الوطنية التي يشترط استغلالها بكل كفاءة وفاعلية، وإذا كانت وزارة المالية في إعدادها للميزانية وإشرافها على تنفيذها تقوم بوضع الاستراتيجية الاقتصادية للدولة وبمراجعة وتقييم البرامج الاقتصادية والمالية وإجراء التخطيط الاقتصادي، فهذا يعني أن إطار الميزانية العامة ومسؤولية وزارة المالية هما أبعد مما يظن، وبالتالي فنحن بحاجة إما إلى توسيع صلاحيات وزارة المالية، أو إنشاء وزارة جديدة بمسمى وزارة الاقتصاد والتخطيط تناط بها مسؤولية التخطيط ووضع الاستراتيجيات والاقتصاد الكلي.