البحرين مقبلة على تجربة سياسية مثيرة وجديرة بالعناية الإعلامية بها، عناية توظفها توظيفاً جيداً لأن بإمكانها أن تكون فرصة كبيرة للترويج للواقع السياسي البحريني بعيداً عن الافتراءات والكذب الذي تم تسويقه لخدمة أجندات مشبوهة خلال السنوات السابقة من قبل بعض المجموعات.
إن الاختصاصات التي يملكها المجلس النيابي البحريني المنتخب الآن أصبحت متقدمة جداً وغير مسبوقة في المنطقة وستمنح البحرين موقعاً ديمقراطياً متقدماً حين ممارستها لو أحسن الترويج لها منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيه حيز التنفيذ وهو ما حصل يوم الثلاثاء الماضي أي قبل عرض البرنامج الحكومي على المجلس النيابي ومنذ اللحظة التي اجتمع فيها سمو رئيس الوزراء مع الإعلام المحلي لذات الغرض.
نحن أمام تحركات حكومية مدروسة تنم عن وعي وإدراك بحجم الاختصاصات التي منحت للغرفة المنتخبة، تصل في قوتها أن تعرض الحكومة على المجلس لنيل الثقة أو طرحها من خلال التصويت على برنامجها الذي بإمكان رفضه من قبل 27 نائباً أن يقيل الحكومة تلقائياً ويسقطها.
الحراك الحكومي بالاتصال بالمجلس النيابي وبالاتصال بالإعلام قبل طرح البرنامج هو عمل سياسي احترافي من الدرجة الأولى، الحكومة هنا تحاول أن تضبط إيقاع الرفض أو الاعتراض على البرنامج قبل أن يظهر عند النواب وعند الإعلام حتى تحد من درجة الشطط في نقاشه والجدل حوله والذي قد يستغرق 30 يوماً مما سيؤثر حتماً على تقييم البرنامج وسيؤثر أيضاً على المراوحة بين أعداد مؤيديه أو رافضيه، وهذا التحرك المسبق حق للحكومة بغض النظر عن نجاحها في خطوتها أو فشلها الذي سيتبين لاحقاً بعد عرض البرنامج، إلا أن احتواء الاعتراض وتحييده في خطوة استباقية قبل ظهوره يعد ذكاء سياسياً يحسب للحكومة.
فالحكومة أدركت أن الوضع المريح الذي كانت تعمل به في السابق انتهى، حيث كان باستطاعتها الاكتفاء بتقديم الخطوط العامة لبرنامجها دون أن تلحقه بمؤشرات قياس تلزمها ودون أن تخضع هذا البرنامج لتقييم الإرادة الشعبية، واليوم هي أمام امتحان وارد قد يؤدي إلى إقالتها تلقائياً والاضطرار إلى تشكيل حكومة ثانية.
هذا الحراك السياسي والنشاط المثير للاهتمام جديد في نوعه وذو سقف ديمقراطي مرتفع يحتاج أن يوثق توثيقاً مسجلاً يبدأ بتصوير «فيديو» اجتماعات اللجنة التي رأسها ولي العهد والتي وضعت البرنامج، ثم يسجل الاجتماعات التي عقدها سمو رئيس الوزراء لاحقاً والخاصة بالتمهيد للمرحلة السابقة لعرض البرنامج ثم بعد ذلك تسجل الجلسات العامة وتسجل لقطات من اجتماع لجنة البرنامج النيابية مع الوزراء وتسجل لقاءات فيديو مع شخصيات عامة ورجال إعلام لاستطلاع آرائهم حول الجدل الذي يدور في المجتمع البحريني حول البرنامج إلى أن نصل إلى مرحلة التصويت عليه.
تلك واحدة من الطرق لتوثيق هذه المرحلة المهمة من تاريخ البحرين الديمقراطي، نحتاجها جداً للشرح لأي راغب في معرفة اختصاصات المجلس المنتخب، ونحتاجها للرد على الأكاذيب الباطلة التي يروجونها، أما الطرق الترويجية الأخرى فهي طباعة نص المادة 46 والمواد الخاصة بها في اللائحة الداخلية بأكثر من لغة حيوية ودعوة السفراء لمتابعة الجلسات العامة أثناء النقاش عليه وأثناء التصويت عليه، ودعوة المراسلين الأجانب، أو استغلال قناة 55 لمتابعة الحراك السياسي الذي بدأ منذ الأسبوع الماضي.
أعتقد أننا لدغنا من قبل بسبب اعتقادنا أننا في مأمن وظننا ألا أحد سيجرؤ أو يطاوعه قلبه أن يكذب على وطنه ويخفي إنجازاته ويعتم على حقائق ساطعة كالشمس ينعم بها حتى أخذنا على حين غرة.
اليوم الأنظار كلها علينا والأدلة والبراهين على صدق التطورات والخطوات الإصلاحية السياسية ملكنا وبين أيدينا فهل نتعظ ونتعلم ونستبق نحن الخطوات هذه المرة أم نعود لسباتنا؟