خرجت في الأسابيع الأخيرة مسيرات غاضبة في الكثير من العواصم الغربية تنديداً بالإسلام على اعتباره إرهاباً، وجاءت تلك المسيرات على خلفية مجموعة من الانتهاكات وعمليات الخطف والقتل قامت به جماعات جهادية تنتمي زوراً إلى الإسلام، خصوصاً بعد عملية أسر الرهائن في أستراليا وقتل أكثر من 100 طفل في مدرسة باكستانية في بيشاور.
إن إصرار الكثير من الجماعات الجهادية إقحام الدين الإسلامي في السياسية بطريقة فجة وغليظة، وتبيانه وتسويقه للبشرية وكأنه دين سيف ودم وجهاد وقتل واستباحة أعراض وسبي، جعل الآخر ينظر إلى الإسلام من منطلق الكراهية، رافضين كل ما يتعلق بهذا الدين، وذلك وفق ما خلقته الصورة النمطية التي تشكلت في وعي المجتمعات البشرية بسبب السلوكيات المنحرفة عن الدين وقيمه ومثله، تلك التي جاءت بها جماعات الجهاد والتكفير.
من المهم أن تعيد الجماعات الإسلامية حساباتها من جديد حول الأساليب والوسائل التي تقوم بها عبر العالم لنشر الدين الإسلامي، من أجل أن توقف النظرة الدونية للإسلام من طرف من يرون أن الإسلام يتمثل فقط بممارسات أصحابه من السفهاء، كما يجب على الدول العربية والإسلامية أن تكف عن إرسال هذه النماذج السيئة للغرب حتى لا ينشروا الصورة غير الصحيحة عن الإسلام العظيم.
لم تنجح غالبية الجماعات الدعوية والجهادية الأصولية في إيصال صوت الإسلام المعتدل إلى العالم الغربي، بل أوصلت له الصورة القاتمة جدا عن إسلام يخلو من العلم والتطور والإنسانية والمعرفة، ولهذا فإن على دولنا أن توجد بدائل أكثر اتزاناً من تلكم الجماعات المتطرفة، لنشر روح التسامح والمحبة بين البشر.
قد يقول قائل، إن ما تقوم به الجماعات الأصولية هي ردود أفعال طبيعية لما يقوم به الغرب «الكافر» من انتهاكات سافرة في حق إخوة لنا في الدين والعقيدة، ونحن نقول أن الإسلام أجاب على هذه الإشكالية بطريقة واضحة وصريحة، من خلال الآية الكريمة التي تقول»ولا تزر وازرة وزر أخرى»، كما أننا في موقف يحتم علينا أن نكون في المنطقة «الصح» في هذه المعركة الفكرية والعقدية، إذا كان يصح أصلاً أن نطلق عليها اسم معركة، وهي أن لا نمارس ما يمارسه الآخر المختلف معنا حين تبرز وجوه الاختلاف معه بشكل مباشر.
من الضروري اليوم، أن نحيد الإسلام كدين للحياة، عن كل المعارك السياسية، وعدم زجه في حروب قد نخسر فيها قيمنا التي حافظ الأوائل عليها من أجل أن تصل بشكلها الراقي لبقية العالم. إنها قيم العدل والحق والمساواة واحترام مواثيق حقوق الإنسان، والنهوض بالإنسان من حيث العلم والحضارة والإنسانية، أما ما نراه اليوم من سلوكيات ضارة بالدين وسمعة نبينا الكريم، ما هي إلا أعمال لمليشيات وعصابات ومرتزقة، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب أو من بعيد.