منذ يومين تداول معظم المواطنين في مملكة البحرين خبراً يفيد عن صدور توجيه لسمو رئيس الوزراء عن زيادة الرواتب، توقعت أن أفتح الرابط فأجد الفنان «قحطة» وهو يضحك ضحكته المشهورة في مسلسل «درب الزلق»، غير أنني انتبهت أن الرابط المرفق يتبع لوكالة أنباء البحرين، وحتماً هو خبر قديم لا محال.
الملاحظ من هذه الواقعة أن هناك ثقافة سلوكية متفشية عند المجتمع البحريني لا تعتبر من أدبيات استخدام التواصل الاجتماعي، وهي ثقافة الترويج للشائعات وإعادة نشرها، غير أن الجملة التي مرت في بالي لحظتها «هالجماعة ما يتعبون.. ما يعيزون؟ ما أيسوا يعني؟»، «والناس اللي تنشر معقولة ما تفتهم رغم تكرار بث مثل هذه الشائعات أكثر من مرة؟».
كلامنا هذا لا يعني عدم إدراك أن مسألة زيادة الرواتب تعد مطلباً من مطالب الشعب البحريني وتطلعاته، لكن المقصد هنا التركيز على مثل هذا السلوك الخاطئ وألا تكون طريقة نشر هذه المطالب كمسمار جحا للبعض في استغلالها بوسائل غير مشروعة في تحقيق أجندته وأهدافه، ويكون المواطن البحريني البسيط هو من يساعده في ذلك دون إدراك ووعي، منذ فترة تداول الناس شائعات أخرى عن تغيير منصب سمو رئيس الوزراء ومنحه منصباً شرفياً أعلى بالدولة، وقبلها تداولوا عن التغيير الوزاري الجديد وتعيينات مجلس الشورى، بل حتى موسم الانتخابات «عاد خذ وخل فيه» لم يخل من هذه اللعبة «البايخة» التي للأسف لم يجعلها تنجح وتكون مؤثرة سوى صغار العقول وأطفال برنامج «الوتس أب».
لا نفهم حقيقة إلى اليوم معنى أن يتحول البعض لدينا في مملكة البحرين إلى ظاهرة «بغباء إخباري»، بحيث أي خبر أو معلومة تصل إليه يقوم بإعادة نشرها فوراً دون التأكد من صحتها أو حتى على الأقل مطالعة تاريخها والتأكد من المعلومات قبل أن يأخذه الحماس في التوزيع على كل ممن هم مخزنون لديه في برنامج «الوتس أب» و«القروبات» الهاتفية.
ألم يحفظ البعض لدينا موسم خروج شائعات عن زيادة الرواتب، والتي بات بالأصل معلوم موعد نشرها وإعادة إحيائها كل عام؟ فرغم نضج تجربة المواطن البحريني في طريقة تعامله مع الشائعات والأخبار المغرضة والمفبركة منذ أزمتنا الأمنية الماضية 2011، إلا أن هناك شريحة لا يستهان بها لاتزال تكرر نفس الأخطاء؛ نفس التصرفات غير المسؤولة، نفس التعامل والتعاطي مع أي خبر أو معلومة يستقبلونها، بل الأدهى أن هناك من يعلم أنها شائعة إلا أنه لا ينفك عن إعادة إرسالها من منطلق «أصلاً هي أوردي انتشرت والكل وصلت له وعرفها فيات علي أنا مثلاً ما أعيد نشرها».
فهذه الجملة المستخدمة للتبرير من قبل أي مواطن غير مسؤول وغير مدرك لأبعاد ما يقوم به غير مقبولة إطلاقاً، كشف أحد استطلاعات الرأي على شبكة الإنترنت أن 80% من مصادر ترويج الشائعات يأتي عن طريق برنامج «الوتس أب» الهاتفي، فيما بلغ بـ«تويتر» بما نسبته 85% من إعادة تدوير الشائعات عن الأحداث العربية المهمة، كما جاء في الدراسة الاستطلاعية التي أجراها مركز عبدالعزيز للحوار الوطني بالسعودية بشأن واقع الشائعات في المجتمع السعودي أن الرأي العام يتأثر بالشائعات، حيث أكد ما نسبتهم 82.9% من المشاركين أن الشائعة تساهم في التأثير على الرأي العام.
الشائعات الموسمية هذه معروف من يقف خلف إطلاقها وتعمد نشرها وتوزيعها خلال مواسم معينة كاقتراب موسم شهر رمضان والأعياد أو مع فترة الأعياد الوطنية وما شابه تأتي لأجل تكوين قناعات من التذمر والإحباط والتهكم على أنظمة الدول تترسخ عند الرأي العام، وهي لعبة خطرة جداً لا يستوعب المواطن البسيط مدى تأثيراتها وأبعادها، وهو يستهين بإعادة نشر الشائعات ويمارس دوراً في استمرار إعادة بثها وانتشارها على نطاق أوسع يجعله شريكاً أساسياً في نجاح أهداف مؤسسي الشائعات.
من المفترض لأي مواطن مسؤول «يخاف الله» ويحمل أمانة الكلمة وضميره يتوقف كثيراً عند المبدأ الإسلامي القائم على «الفتنة أشد من القتل!» أن يعي حقيقة ما يفعله ويقوم به، فليست كل العقول على نمط واحد من التفكير وليست كل العقول تدرك وتفهم حقيقة ما يحدث وأبعاده، هذه الفتن توجد قناعات تدفع الرأي العام إلى تكوين أزمات سياسية أو اجتماعية أو أمنية مع الوقت، وهو ما حدث بالفعل في دول عديدة، ولكم في العراق وليبيا مثال حي.
هذا الباب الذي يفتحه مواطنو مملكة البحرين دون إدراك أن عملية إغلاقه لاحقاً ستكلف الكثير، الشائعات لعبه خطيرة كمثل ذاك الذي يلعب بالنار ويؤكد أنها لن تطاله وتحرقه، لذا نقول لكل مواطن يستهين بالشائعات التي تصله على هاتفه ومن ثم يعيد نشرها «اردم الفتن القائمة» لا تكن سلم الوصول لمن يطلق مثل هذه الشائعات في تحقيق ما يريده، كن أنضج في تعاملك مع أي رسالة أو «برودكاست» يأتيك على هاتفك أو تطالعه على «تويتر».. أوقف لعبة النشر وإعادة التوزيع بمنع إعادة نشر أي خبر يأتيك دون تأكد وانتباه.
- إحساس عابر..
يقال إن «الشائعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي» فحاول ألا تكون أحد هؤلاء الثلاثة.