المواطنون في الخليج العربي يتابعون باهتمام قضية تراجع أسعار النفط منذ فترة، ويتوقعون أن تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية. أما على صعيد المراقبين والمتابعين، فإنهم يترقبون تأثير هذا التراجع الكبير في الأسعار على معدلات التنمية، وتأثيرها المتوقع على المشاريع الحكومية، وحركة القطاع الخاص النشط في هذه الدول.
قبل أيام قليلة بدأت موجة التطمينات بعد فترة طويلة من الصمت من قبل الحكومات الخليجية، وبدأت أطراف عدة تبدي ارتياحها. ولكن المواجهات الإعلامية مازالت مستمرة بشأن معطيات السوق النفطية من المنتجين الكبار والمؤثرين في أوبك.
كثيرون قد لا يفهمون أبعاد المعركة النفطية الحالية، ومعظم الاتجاهات تشير إلى نتائجها ودوافعها الاقتصادية، ولكنها لا تتحدث عن الأبعاد الأهم، وهي الأبعاد السياسية التي تتم في منطقة مازالت بعيدة عن الاستقرار في ظل وجود حروب طاحنة ومستمرة منذ سنين في الشمال حيث العراق وسوريا، وفي الجنوب حيث اليمن المضطربة.
معركة النفط ليست غير مفهومة، بل هي مفهومة للغاية، ويمكن تفسيرها في سياق الانتقال بالصراع السياسي والعسكري إلى الصراع الاقتصادي. فتجربة السنوات الأربع الماضية أثبتت عدم جدوى معالجة الصراعات سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً أو حتى بالتدخلات الإقليمية والدولية. والتجربة نفسها لم تشهد اختبار الأسلحة الاقتصادية التي لها تأثير مباشر على الاقتصادات المحلية أو حتى على الاقتصاد العالمي. ويبدو أن أطراف الصراع المحلية والإقليمية والدولية وصلت لقناعة بضرورة اللجوء للخيار الاقتصادي من أجل تغيير مجريات الصراع هنا وهناك، فلا يمكن القبول باستمرار صراعات دامية في الشرق الأوسط أكثر مما هي عليه الآن، ولذلك إذا كانت المعركة الاقتصادية بسلاح النفط هي الأداة الأكثر إيلاماً فلابد من استخدامها لمواجهة التحديات الأمنية.
المعركة النفطية معقدة لتداخل السياسة والاقتصاد فيها، ورغم أنها يمكن أن تقلب معادلة موازين القوى في الشرق الأوسط، إلا أن لها تداعيات واسعة النطاق سبق أن مرّت بها دخول الخليج في السابق. فانخفاض أسعار النفط قد تكون له تداعيات في القدرة على احتواء الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وتفتح المجال أمام موجة جديدة من الإرهاب في المنطقة. وقد تكون الحالة البحرينية لافتة في هذا المجال بتجربة خمسينات وتسعينات القرن العشرين، وتجربة 2011 أيضاً.
معركة النفط غير المفهومة لدى البعض ستستمر، ومن الواضح أن تداعياتها كانت سريعة، وهو ما يمكن أن نرى نتائجه سريعاً ليس خلال شهور، وإنما أسابيع.