ليس من قبيل التوقع، ولكن من قبيل الواقع والظروف والمعطيات، فإن المرحلة القادمة تعتبر من أصعب المراحل في تاريخ البحرين الحديث.
وأحسب أنه كلما مر الوقت ستأتي مرحلة أصعب أخرى، من أجل ذلك فإن التغييرات التي تجري اليوم يجب أن تكون عنواناً لمرحلة من العمل الجاد والمخلص، ومرحلة بناء البحرين على أساس مبدأ هام أولي وراسخ لا يجب إغفاله، وهو تثبيت الأمن أولاً، وعدم تعطيل القوانين التي تحفظ أمن الجميع، وتحفظ معيشة الجميع، وتحفظ الاقتصاد، وتقوي الثقة لدى المستثمر للقدوم إلى البحرين والعمل بها.
هناك ارتياح واسع لمسناه عند الناس من مراسيم جلالة الملك حمد بن عيسى -حفظه الله- الأخيرة التي وضع فيها حداً لترهل الدولة وأجهزتها ومناصبها، كانت تلك المناصب بمثابة إرهاق لميزانية دولة صغيرة، ونحمد الله أن جلالة الملك أصدر أمره السامي لتصحيح أمور تساهم في ضبط الإنفاق، وتقليص النفقات.
من غير المعقول أن نطالب الوزارات والمواطنين بترشيد الإنفاق ونحن لدينا ترهل في المناصب، لذلك كانت خطوة جلالة الملك حفظه الله موفقة تماماً وتصب في طريق تصحيح أمور كثيرة.
طرحت ذات مرة هذه الفكرة، لماذا لا تأتي خطوات التصحيح من داخل الجهاز التنفيذي؟
صحيح أن للبرلمان الحق في المطالبة بتصحيح الأمور، لكن لماذا نترك الأمور هكذا ليطالب مجلس النواب بتصحيحها، بينما المفترض أن نكون نحن أصحاب المبادرة ونصحح الأمور من أنفسنا، الجهاز التنفيذي نفسه لا يجب أن يقبل بالأخطاء والقصور.
كل التقدير للنواب وللمجلس، لكن لنترك لهم أموراً أخرى يعالجونها، بينما على الجهاز التنفيذي أن يقوم بتصحيح الأخطاء وسد القصور من داخل الجهاز نفسه، وإقفال الأبواب التي يستغلها البعض لتوجيه النقد والاتهام للجهاز التنفيذي.
البحرين تحتاج إلى عنوان جديد لمرحلة قادمة، وتحتاج إلى نهج جديد في وضع الأولويات وفي البناء، وفي خلق فرص عمل جديدة، واستقطاب استثمارات أكبر، وفي حصر أوجه القصور والخطأ في الأجهزة الخدمية أولاً، ومن ثم في كل العمل الوظيفي والعوائق التي تعني بجذب المستثمرين وجذب التجار، على الأقل من دول الجوار، السعودية والكويت والإمارات، فمنهم من يتمنى أن يعمل مشروعاً كبيراً في البحرين حباً في البحرين، لكن حين يأتي يكتشف أن هناك من وضعوا في أماكن لجذب الاستثمارات، بينما هم يقومون بـ(بتطفيش) المستثمرين ووضع العوائق أمامهم، وقد تحدثنا عن ذلك ذات مرة.
لا ينبغي أن يوضع موظف غير أمين ولا يحب الخير للبحرين في مكان يجذب المستثمرين، سواءً في مركز المستثمرين أو في سوق العمل أو البلديات أو أية جهة يحتاج إليها المستثمر ليذهب وينهي أعماله فيها.
لذلك من المهم جداً أن نضع الأولويات، وخطط التنفيذ، ومراقبة خطط التنفيذ، ونضع الجدول الزمني للإنجاز، وأن نضع الأشخاص الأكفاء الذين ينفذون مشاريع الوطن بإتقان عالٍ وسرعة وبميزانيات معقولة، وإذا ما زادت الميزانية عن الحاجة جاء إلى مجلس الوزراء وقال هذا الوافر في الميزانية تم تحقيقه، ليوضع المال في مشروع آخر ينهض بالبحرين.
أعود لنقطة بدأت بها المقال وهي أن الأمن بوابة النماء لكل شيء في كل دول العالم، انظروا ماذا فعلت أمريكا مع السود، وكيف تعاملت مع الفوضى والإرهاب، إنه الأمن يا عزيزي.
إذا ضاع الأمن ضاع معه كل شيء، وذهب معه كل شيء، من هنا فإن الأساس الثابت لأي مشروع نهضوي أو مشروع للتنمية ستجده يرتكز على الأمن، لم تعبأ أمريكا بحقوق الإنسان، ولم تعبأ بأحد يقول إنها تمارس التمييز العنصري ضد السود وتمارس العنف في الشارع.
فعلت أمريكا ما فعلت وتركت لهم الكلام، ومضت في تثبيت الأمن وقطع أيادي الإرهاب والفوضى، هكذا يفعلون، لأنهم يعلمون قيمة الأمن، وأن فقدانه يعني الخراب والدمار لكل شيء. مثلها فعلت بريطانيا وفرنسا وتركيا وتايلند، وإلا فإن الفوضى والخراب سيحل على الجميع، الأمن هو أبو الرخاء والنماء وقوة الاقتصاد وديمومته.
خطوات التصحيح التي لمسناه في مراسيم سامية صدرت تجعلنا نتفاءل بمستقبل أفضل، وبفكر جديد يقود الدولة البحرينية نحو المزيد من الإنجازات والمكاسب.
تقليص عدد الوزراء للنصف أو أقل كان خطوة كبيرة من جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد -حفظهم الله- فنحن كدولة صغيرة لا نحتاج إلى هذا العدد الهائل من الوزراء، إنما نحتاج إلى الكفاءة والوطنية والأمانة لمن يتقلد منصباً وزارياً جديداً.
لكل وزير سيتم تغييره في الوزارة الجديدة وكان قد أنجز إنجازات طيبة للبحرين وأهلها نقول له «شكراً.. ما قصرت»، ولكل من فشل ولم يستطع أن يقدم شيئاً نقول له نتمنى أن تخدم البحرين في موقع آخر سواء في منصب أو في التجارة أو نحوه، فباب خدمة البحرين مفتوح وفي كل مكان.
حتى التاجر البحريني الأمين المخلص الذي يقيم مشاريع كبيرة بالبحرين ويوظف أبناءها هو يخدم وطنه وأرضه وقيادته، خدمة البحرين ليست حصراً على المناصب الرسمية.
الموظف البسيط الذي يذهب إلى عمله صباحاً وينجز ويعمل ويخلص هو أيضاً يخدم البحرين من موقعه، مهما كانت وظيفته صغيرة.
أعتقد أننا اليوم أمام تحدي إنجاز وبناء، تحدي تصحيح أخطاء، وتحدي تحويل ملفات الفساد للجهات القانونية لنعطي درساً لكل من يعمل في الجهاز الرسمي بأنه سيعاقب وسيعرف الناس ماذا فعل، وسيلقى الجزاء من القضاء.
لا يجب أن نترك ملفات عالقة ثم تأتي جمعية سياسية طائفية لتقول لنا يوجد كذا وكذا، وكأننا نعطيهم مسوغات لضرب البلد والجهاز التنفيذي.
نحن أصحاب الحق، ولا يجب ألا نقبل بالأخطاء والقصور، فالذي يريد ضرب الدولة ويتحين الفرص لذلك ويفرح بالأخطاء والقصور لتضخيمها واستغلالها داخلياً وخارجياً يجب ألا نعطيه مسوغات على الأرض، من هنا يجب سد كل هذه الأبواب، فنحن لا نقبل بالأخطاء لأننا نراقب الله في أعمالنا، ولأننا نحب وطننا أولاً وأخيراً، ولأننا كشعب وكمسؤولين نقدر دور قيادتنا وثقتها في كل مسؤول تناط به مسؤولية العمل الوطني.