كشف الحشد الجماهيري الكبير الذي شهده العالم في الثاني والعشرين من نوفمبر أن الرقم الأصعب في البحرين هي العلاقة الوثيقة والتاريخية بين القيادة والشعب، وأن الشعب، بمختلف ألوانه، هو الوحيد القادر على رسم مستقبله بعيداً عن الإملاءات والمصالح الفئوية والسياسية والطائفية، وقد حمل هذا الحشد عدداً من الرسائل..
الرسالة الأولى:
انتخابات البحرين يوم السبت الماضي هي التقرير الحقيقي للمصير، والذي أكد فيه عشرات الآلاف من البحرينيين للمرة الثانية خلال أعوام قليلة تمسكهم بالشرعية التاريخية للقيادة البحرينية، وأن تلبية دعوة جلالة الملك هي أمرٌ مفروغ منه، بعيداً عن كل المزايدات التي راهنت على التخذيل والتشتيت التصفير، فصوت القائد لا يحتاج لأي نوع الواسطات للوصول إلى قلوب أبناء شعبه قبل أن يصل إلى مسامعهم، ما يؤكد أن «بو سلمان» هو الرمز الأوحد لوحدة البحرين وربان سفينتها في ظل هذه الأمواج التي تعصف بالمنطقة، حيث استطاع بحكمته بعد أكثر من عقد على إطلاق المشروع الإصلاحي إعادة تدشين مرحلة جديدة تحمل الروح الحقيقة لميثاق العمل الوطني الذي أجمع عليه أبناء الوطن بكافة أصولهم وأطيافهم.
الرسالة الثانية:
أن شعب البحرين هو الرقم الصعب، فمخطئ كل من يسيء فهم طبيعة هذا الشعب، والذي يبدو بسيطاً ومتواضعاً، ولكنه شعب عنيد، استطاع أن يفرض إرادته الحرة، حيث خرج إلى الفاتح فأسقط مؤامرة كبرى على الوطن والشرعية، وها هو يعيد الخروج مرة ثانية في الثاني والعشرين من نوفمبر ليطيح بكل المراهنين على وحدته ووعيه وذاكرته، وأنه صاحب الكلمة الأخيرة في مستقبل الوطن.
الرسالة الثالثة:
أن لا مكان للتيارات الراديكالية بطرفيها، السني والشيعي، وأياً كان مسماها؛ داعش وائتلاف فبراير وحزب الله.. وغيرهم، مخطئون إن ظنوا أن لهم موطئ قدم على أرض البحرين.
فإذا كان لهم أرضٌ خصبة في دول أخرى لأسبابها الخاصة، فإن أرض البحرين وشعبها عصيين على توفير ذلك، وأن ما وقع من أحداث إرهابية خلال السنوات الماضية كانت حالة استثنائية ستنتهي بعزم الشعب وإرادة القيادة. وأن كل ما قامت به هذه الجماعات لم يكن له أي تأثير على قرار الشعب والتفافه حول قيادته.
الرسالة الرابعة:
أثبتت الجمعيات السياسية، بمختلف تلاوينها، فشلها بقراءة المواطن البحريني قراءة صحيحة وواقعية بعد أن استهترت بوعيه، واعتقدت خاطئة أنها وبصوتها العالي تستطيع أن تجير حماسته وولاءه لوطنه ولقيادته لصالح أجنداتها السياسية والفكرية ولمصالحها الخاصة.
فكانت نتائج الدورة الانتخابية استفتاء على رفض التأطير والتشطير، سواءً أكان أفقياً أم عمودياً، وتأكيداً على أنه وإن اختلفت الآراء والأفكار سيبقى أبناء البحرين كتلة واحدة وهدفاً واحداً ومصيراً مشتركاً ..
أخطأت الوفاق بكل مستشاريها وآلتها الإعلامية في قراءة «شارعها» قراءة صحيحة، واعتمدت على نفس العقلية والمنطق الذي دفع بها للبرلمان في 2006، فلم تعِ أن إسهال الفتاوى والخطب الحماسية والشعارات الوطنية لم يعد له أي تأثير على المواطن الذي وعى الدرس وقرر أن يكون سيد قراره.
بالمقابل؛ فشل تجمع الوحدة الوطنية في تطويع الناس مرة جديدة، من خلال إصدار صكوك الوطنية، وعجز عن التحرر من ربقة خطاب يرى في كل صوت ينتقد بعض ممارسات أعضائه خروجاً عن الوطنية، وإعلاناً للاصطفاف مع الخيانة، لقد رفض الشعب الذي خرج إلى الفاتح أن يتحول إلى قطيع تقوده «مرجعية فوق النقد» فلا قداسة في السياسة ولا بقاء فيها إلا للأكفأ والأنفع.
الرسالة الخامسة:
لا يكاد يختلف صوتان منصفان أن البحرين تعاني من أزمة إعلامية، وهي ما تجلت بالدليل القاطع إبان أزمة فبراير 2011، لكن المعضلة الأكبر أن هناك ثمة من يعتقد أنه قادر على توجيه الجماهير وصناعة قرار للرأي العام.
فعشرات الآلاف التي زحفت مبكراً إلى اللجان الانتخابية أوصلت رسالة مفادها ألا أحد يملك نفوذاً أو سيطرة ليسير الشعب، سلباً أو إيجاباً، عدا الضمير الوطني، والولاء للأرض والقيادة، فلا حاجة إلى وسيط لتلبية نداء الواجب، وأن وسائل الإعلام إن لم تكن قادرة على توصيل صوت المواطن ونقل معاناته وعكس آماله وتطلعاته بلا تعالٍ وفوقية وبعيداً عن لغة الأوامر والنواهي، فإن التاريخ سيطويها وإلى الأبد.