ثلاثة أطراف عبرت عن عدم قبولها لحكم تجميد نشاط جمعية الوفاق لثلاثة أشهر، وإن كان مع وقف التنفيذ لثلاثة أشهر ريثما يتم انعقاد المؤتمر العام القادم للجمعية؛ الوفاق وجمعيات «المعارضة» و»الموالون». أما الوفاق فمن الطبيعي أن ترفضه لأنه ضدها؛ لذا اعتبرته «قراراً سياسياً بامتياز» وحركة لمضايقتها وإزعاجها وانتقاماً وعقاباً لها على مقاطعتها للانتخابات. وأما الجمعيات «المعارضة» الأخرى، فقالت ما قالته الوفاق وأصدرت بياناً شاجباً، حيث من الطبيعي أن ترفض هذه الجمعيات التي صارت في جيب الوفاق كل ما ترفضه الوفاق، وأما الموالون فاحتجوا على الحكم واعتبروه خطأ لأن الثلاثة شهور في رأيهم قليلة وأنه كان ينبغي إغلاق الجمعية نهائيا وعدم تأجيل التنفيذ.
بالتأكيد ليس مناسباً التدخل في قرار صادر من المحكمة لأنه حكم، «حكم وصادر»، أي أنه لا يمكن التدخل لتغييره، فالمحكمة تصدر مع الحكم حيثياته، ولولا أنها رأت أن المسألة تستدعي هذا الحكم لما حكمت به.
وبالتأكيد أيضاً فإن من حق الوفاق والجمعيات التي «ضاق خلقها» عليها أن تعتبر الحكم سياسياً وتقول عنه ما تقول، تماماً مثلما أن من حق من يطلقون عليهم اسم الموالاة أن يقولوا إن ثلاثة أشهر قليلة في حق هذه الجمعية التي تطالب بتطبيق القانون وتريد أن تستثني منه.
أما الوفاقيون فأعلنوا «التحدي» وقالوا إن الحكم لن يعطل نشاطهم كمواطنين وأنهم سيستمرون في حراكهم وكأن شيئاً لم يكن، ورأوا أن هذا الحكم سيخدم الوفاق لسببين؛ الأول أن الوفاقيين سيزدادون التحاماً، وسيشكل ما حدث لجمعيتهم حافزاً لهم على الإصرار على موقفهم، خصوصاً أنه جاء في أيام شهر محرم، والثاني أنه أدى إلى تعاطف كبير من الخارج، حيث الخبر تم تداوله من قبل مختلف الفضائيات، فأصدرت المنظمات الحقوقية البيانات المستنكرة للحكم والمؤيدة للوفاق، بينما تسابق بعضها على عمل استبيانات لمعرفة عدد المؤيدين للحكم وعدد الرافضين له، وسارعت الولايات المتحدة إلى التعبير عن «قلقها» والقول إنه «يتعارض مع إرساء مناخ ملائم لعمل سياسي شامل»، وفي كل هذا دعاية مجانية للوفاق وهدية لم تتوقعها. وهذا في حقيقة الأمر صحيح وهو من سلبيات الحكم، لكنه في نفس الوقت رد عملي على وصف الحكم بأنه سياسي بامتياز لأنه لو كان كذلك لطلبت الحكومة من المحكمة عدم إصداره، ذلك أنه ليس معقولاً أن الحكومة يفوت عليها مثل هذا الأمر، حيث الأكيد أنها تعرف أن حكماً كهذا ستستفيد منه الوفاق إعلامياً وسيزيد من أعداد المتعاطفين معها في الداخل والخارج. إن عدم تدخل الحكومة في الحكم وهي تدرك كل هذا وأكثر منه يؤكد أن القضاء في البحرين مستقل وأن الحكومة لا تتدخل فيه كما يحلو لـ «المعارضة» أن تشيع.
لمن هو غير متابع للتفاصيل؛ القصة باختصار هي أن وزارة العدل طلبت من جمعيتي الوفاق ووعد تصحيح أوضاعهما وبينت لهما الأمور التي عليهما أن تصححاها وفقاً لقوانين الجمعيات السياسية، وذلك بعدما سجلت عليهما مجموعة من المخالفات، ثم عندما لم تستجيبا قام وزير العدل برفع قضية ضدهما وطالب بوقف نشاطهما لمدة ثلاثة أشهر، وهذا إجراء طبيعي، فتم قبول الدعوى وصدر الحكم ضد الوفاق بتجميد نشاطها لمدة ثلاثة أشهر وإلزامها بتصحيح أوضاعها بينما تم تأجيل قضية وعد إلى التاسع من نوفمبر المقبل بسبب ظهور مستجدات أبرزها تغيير الأمين العام للجمعية.
الموضوع لم يكن يستدعي كل هذه الضجة، فالبحرين بلد القانون، والجمعيات السياسية تطالب دائماً بتطبيق القانون، لكنها بطبيعة الحال تستغل مثل هذه الأمور لتستفيد منها إعلاميا فتظهر نفسها للعالم على أنها مظلومة وتحتاج إلى من ينصرها.. ومن يعبر عن «قلقه»!