لا يبدو للمراقب أن دول الخليج في وارد اعتماد مبدأ تصفير المشاكل في سياسيتها الخارجية؛ ففي تحركاتها مؤخراً تخطت دول الخليج النزعة الإقليمية والقومية وأخذت هذه التحركات بعداً أممياً كلاعب كبير في الأحداث، ومن يجادل في ذلك فلينظر ملياً لخريطة الأزمات منذ مطلع هذه الألفية ليجد اسم دول الخليج في تشاد وليبيا وتونس ومصر وسوريا والعراق واليمن. ومع تغير أشكال الصراع من حروب تقليدية بين الجيوش إلى حروب لا متماثلة أصبح لدول الخليج مدخل للصراعات بعد تراجع الحجم وتقدم شكل الصراع في موازين القوى المتصارعة، وحتى الآن دخلت دول الخليج بالفعل بقدم واحدة في الصراع الدولي ضد الدولة الإسلامية عبر مشاركتها في الحملة الجوية، فهل تدخل بالقدم الأخرى في الحرب البرية بناء على ما تمليه عليها مصالحها ومتطلبات شركائها؟ وما الدوافع والمحاذير؟!
بدون حتى اسم يشار به إليها كـ «عاصفة الصحراء» أو «أم المعارك» أظهرت الحملة الجوية على داعش قصورها، وأنها لن تكون الحدود القصوى للتحرك ضد الدولة الإسلامية؛ بل سيكون هناك تدخل بري قد تكون دول الخليج جزءاً منه بناء على التقديرات التالية:
- تحررت الكويت بجهد أممي؛ وتحت القبعات الزرقاء وقف جنود خليجيون في الصومال وأفغانستان والبوسنة، فدول الخليج مؤمنة بالشرعية الدولية ومتطلباتها التي قد يكون منها تدخّل قوات بريّة ضد داعش كتطبيق عملي لمبدأ «التدخّل الإنساني» الذي أقرّته الأمم المتحدة، لإنقاذ الأرواح البشرية.
- في البداية لم يطلب العراق من التحالف الدولي تدخلاً برياً، بل دعماً جوياً ولوجستياً، ومع اقتراب الخطر من بغداد تحول الخطاب لرفض التدخل الأجنبي البري والقبول بالتدخل العربي، وحين أصبحت المسافة بين بغداد و10 آلاف مقاتل من داعش حوالي 10كم. ومع صدى صفعة «الحوثيين» الذين لم نتصور دخولهم صنعاء قبل 10 أشهر ووصولهم الحديدة أيضاً قبل 10 أيام؛ يصبح احتلال بغداد وأطراف الخليج أمراً قابلاً لطرح فكرة التدخل البري.
- لم يعد بإمكان الخليجيين البقاء بعيداً عن الأحداث والتطورات التي تشهدها الساحات القريبة منهم كما فعلوا إبان الحرب العراقية الإيرانية، وعلى العواصم الخليجية تلقف الفرصة لإعادة أهمية الخليج الاستراتيجية وانتهاء مرحلة استدارة أوباما الاستراتيجية، وحصولهم على ثمن الانخراط التام مقابل توسيع الضربات لتشمل قوات الأسد.
- سيكون رفع مستوى انخراط دول الخليج في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية مرتبطاً بقدراتها، ولن يتعدى ذلك وحدات صغيرة من القوات الخاصة أو وحدات الإسناد أو الإمداد أو الطبابة، فعلى الحملة الجوية الراهنة تم صرف أكثر من مليار دولار حتى الآن، وتمثل مردودها المتواضع في قتل داعشي واحد جراء كل 12 طلعة جوية، وستجد فاتورة الحرب طريقها لميزانية دول الخليج ومن الأفضل حسمها بكل الطرق مبكراً.
في زمن مضى لم تعرف السياسة الخارجية الخليجية إلا مبدأ النأي بالنفس عن أحداث المنطقة حد الانكفاء، ومع تغير هذا النهج يبقى على صانع القرار الخليجي ملاحظة أن تحركات العواصم الخليجية والتي تخطت بها النزعة الإقليمية والقومية، وأخذت بها بعداً أممياً انطلقت من قيم ومحفزات مصلحية وطنية وخليجية، مما يوجب ملاحظة محاذير عدة جراء الانخراط التام ضد داعش، فهناك معوق القفز الخليجي في ميدان المعركة العراقي قبل اكتمال التقارب مع بغداد، فنتيجة توترات الفترة المالكية قد تتعرض القوات الخليجية «لنيران صديقة» من فصائل عراقية تحمل قوائم ثأر قديمة، كما إن القوات الخليجية ليست أدرى من الجيش العراقي والبشمركة والجيش الحر بطبيعة ساحات القتال هناك، مما يجعل تنفيذ الإدارة الأمريكية وعودها بتسليح المعارضة السورية المعتدلة أجدى من الزج بقواتنا هناك.