توفير الوظائف للمواطنين هي مسؤولية الدولة، وفي هذا تقول المادة 13 من الدستور إن «العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقاً للنظام العام والآداب»، وتقول نفس المادة في بندها الثاني «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه». هذا يعني أن الدولة لا يمكنها أن تتأخر عن هذا الواجب الذي يحكمه الدستور فتسعى جهدها لتوفير الوظائف المناسبة للمواطنين ليتمكنوا من المشاركة في بناء الوطن.
لكن هذا لا يعني أبداً أن توظف الدولة المواطن العاطل أو الباحث عن العمل في أي وظيفة يريد، فلا يمكن مثلاً توظيف خريج الصحافة أو اللغة العربية أو الرياضيات في الطب لأنه ليس طبيباً، ولا يمكنه أن يعطي في هذا المجال وسيشكل خطراًعلى المرضى لو تم تسكينه في هذه الوظيفة، ولا يمكن توظيف خريجي الطب أو الصيدلة أو القانون كمهندسين لأنهم لا يمكن أن يعطوا في هذا الحقل ووجودهم في هذا المكان الخطأ سيشكل خطراً على الناس الذين سيبنون لهم المساكن.
الحال نفسه فيما يتعلق بالتدريس، حيث وجود عاطلين أو باحثين عن عمل من الخريجين الجامعيين أياً كان عددهم لا يعني أنهم يصلحون للعمل في هذه المهنة، كما أن وجود خريجين في تخصص معين لا يعني أنهم قادرون على تدريس مادة أخرى لطلبة أي مرحلة.
هنا مثال عملي، لو كان لدينا فصل واحد ينقصه مدرس لغة عربية، ولدينا مواطن عاطل عن العمل لا علاقة له بالتربية والتعليم ولا يعرف قواعد اللغة، هل يقبل أولياء أمور الطلبة -ومنهم أهل العاطل عن العمل- بأن يتم توظيف هذا المواطن ليدرس للأبناء اللغة العربية التي لا يعرف فيها الفاعل من المفعول به؟ (الأمر نفسه ينطبق على باقي التخصصات).
ليس عملياً وليس منطقاً توظيف مواطنين لا علاقة لهم بالتربية والتعليم في المدارس كمدرسين فقط لأنهم عاطلون أو باحثون عن عمل أو أن الدستور يلزم الدولة بتوفير الوظيفة لهم، فالتدريس مثله مثل الطب والهندسة والمحاماة وتقنية الكمبيوتر، لا بد من شغل هذه الوظائف بمتخصصين وإلا ربحنا الأذى.
من هنا فإن الخبر الذي رقصت عليه «المعارضة» الأسبوع الماضي واعتبرته فرصة لمهاجمة الدولة وملخصه أن رئيس ديوان الخدمة المدنية صرح بأنه قد تم الانتهاء من إجراءات التسجيل لـ 302 مدرس مصري للعمل بالتدريس خلال العام المدرسي الحالي لا قيمة له، ذلك أن توظيف هؤلاء سببه حاجة المدارس لمدرسين قادرين على تدريس مواد معينة لم تتمكن الوزارة من توفير معلمين مواطنين لها، وليس منطقاً ترك الفصول الدراسية من دون معلمين ريثما يتوفر المعلم المواطن الذي يمكنه تدريس تلك المواد.
ما أعرفه عن أنظمة التوظيف في وزراة التربية والتعليم -باعتباري تحملت جانباً من المسؤولية فيها لبضع سنين- هو أنها لا تلجأ إلى التوظيف من الخارج إلا بعد أن تستنفذ كل محاولاتها وتصل إلى قناعة بعدم توفر من يمكنه شغل الوظائف الشاغرة من الداخل، أي من المواطنين العاطلين، وفي هذا رد على التقرير الإخباري نفسه والذي ادعى في جزء منه بأن الدولة «تصر على المضي قدماً في توظيف الأجانب لسحق الطائفة التي قادت احتجاجات واسعة تطالب بالتحول الديمقراطي»، حيث التقرير لم ينتبه إلى أن الوزارة لا توظف من لا يمكنه شغل الشواغر في وظائف التدريس من الطائفة الأخرى أيضاً.
ترى هل بيننا من يقبل أن يقوم بتدريس ابنه اللغة الإنجليزية معلم كل علاقته باللغة الإنجليزية أنه يضحك من الشمال إلى اليمين؟!