«البرلمان هو الحل»؛ كنا أطفالاً صغاراً نحاول تهجئة وقراءة هذا النوع من الجمل المكتوبة على جدران مدارسنا ولا نفقه منه شيئاً، حتى مصطلح البرلمان في السبعينات نخاله غير متداول أو معروف بشكل كبير بين البسطاء متواضعي التعليم.
كنا أطفالاً عندما تناهى إلى مسامعنا إحراق مزرعة النخيل الكبيرة ومحاولة إحراق محطة البترول، وكنا أصغر من أن نستوعب المحاولات المتتالية للبعض لقلب نظام الحكم، فيما خرج صوت من عقلائهم ينادي بإنشاء البرلمان بدعوى أنه الحل لإنهاء كل هذه الاضطرابات بالشوارع.
وقتها كان «السلندر» الذي يفجر في المناطق هو أداة الضغط التي لجؤوا إليها خلال التسعينات، حيث حرقوا بها عمالاً آسيويين في سترة الذين لا ذنب لهم.. أصوات انفجار السلندرات لاتزال آذاننا تحفظها حين نسمعها من بعيد ونسأل عما تكون، ظناً منا أنه صوت انفجار إطار سيارة أو «جراخية».
مرت السنون وجاء البرلمان يرافقه مشروع إصلاحي كبير، وشيئاً فشيئاً بدأنا ننخرط في هذا النظام الديمقراطي، ونتعلم «ألف باء» السياسة وأبجديات الانتخابات، ثم نفاجأ بتصرفات البعض وكيف يحشدون شوارعهم وصفوفهم بضربة اصبع واحد للتصويت لهذا والإطاحة بذاك دون أي معايير.
عندما وجدنا الكثير من المرشحين يتساقطون واحداً تلو الآخر رغم كفاءتهم وسيرتهم الذاتية الحافلة ضد حشودهم هم، ضد جماعاتهم و»ربعهم»، وبعضهم لا يملك من المؤهلات العلمية العالية وخبرة متقزمة، فقياداتهم الدينية توجه شارعهم من خلال صكوك الجنة والنار وأكذوبة أن من سيصوت لهم سيدخل الجنة ومن يصوت لغيرهم سيدخل النار، ولابد من دعم الكتلة الإيمانية وفق منطق غريب لا يقوم به إلا من يظن أن بإمكانه أن يسوق الناس كما تسوق البهائم.
هناك من سرق أجمل مظاهر الديمقراطية بواجب وفرض ديني يلزم الناس بالتصويت لقائمة إيمانية دون تفكير أو تمحيص في السيرة والقدرات الشخصية والمؤهلات، ودون الالتفات حتى إلى مرتبة شهادة الحق في الإسلام أو الأمانة والصدق ومراعاة الضمير الديني قبل الوطني، فهم أوجدوا منهجية طائفية يكابرون بها ظاهرها «خيار الشعب وعكس إرادته الحرة» وباطنها ضمان الوصول والاستحواذ على المقاعد والمناصب بغض النظر عن الطريق والأسلوب.
17 مقعداً في مجلس 2006 الذي شاركت فيه الوفاق، ومقعد تكرمت به للدكتور عبدالعزيز أبل الذي كان محسوباً عليها، فيما حصدت في انتخابات 2010 18 مقعداً بالتمام والكمال ومن الجولة الأولى لتدخل البرلمان وتحظى برئاسة عدد من اللجان ومنصب النائب الأول، ومن ثم تكون هذه النتيجة هي مسمار جحا أمام العالم بأنهم الأغلبية وبأنهم يحتلون كل المواقع والمرافق، لذلك لابد من منحهم مزيداً من الصلاحيات والمراكز مع إغفال التوجهات والأطياف المجتمعية الأخرى.
تذكرنا ما قيل لنا وتمنينا أن يكون خطأ، فقد حدث أن جاء بعضهم وطالب بحكم البحرين منذ سنوات، وعندما أدركوا أنهم لن يحظوا به كون أعدادهم قليلة وقوتهم بسيطة، قالوا فيما بينهم؛ لا بأس إن لم نأخذها بالقوة سنأخذها بالعدد وأطلقوا شعاراً «بالعلم والعدد بناخذ هالبلد» فراحوا يتكاثرون ويطالبون بمنح الجنسيات لذويهم من العراق وإيران وسوريا، حيث وصل بعضهم إلى المجلس النيابي.
خرجوا في التسعينات وأحرقوا وأحدثوا الفوضى، ثم ادعوا أن الحل سيكون بالبرلمان، ومرت الأعوام ليتكرر السيناريو نفسه ولكن بشكل آخر وبحجة أخرى؛ إسقاط الحكومة وإقامة حكومة منتخبة، وبعدها بسنين وإذا نالوا مبتغاهم ندرك بالضبط ما سيطالبون به بدعوى أن السلطة التشريعية والتنفيذية معظمها في أيديهم، وشيئاً فشيئاً ستتحول مملكة البحرين إلى جمهورية البحرين الإسلامية الإيرانية الهوى، والتي تستمد قوتها وأمنها من إيران، كما تستمدها الآن من دول مجلس التعاون الخليجي.
إنها صورة بدأت تتضح معالمها للبعض، حتى أكدها علي سلمان عندما قال «أدعو البحريني الأصيل السني والشيعي إلى تحمل عبء إنجاب طفل زيادة لمواجهة مشروع التجنيس الكارثي»، ومعروف أنه أدخل كلمة «السني» لمغازلة أهل السنة لا أكثر وكسبهم، فيما نيته تتجه إلى طائفته التي سرق معظم فئاتها، خاصة البسطاء وضللهم ولم يحقق لهم أي مشاريع أو خدمات، فمن يراجع أطروحاتهم سيفطن إلى الاتجاه الذي يسلكه هؤلاء.
إن كان البرلمان هو الحل فلماذا تخلوا عنه؟ ولماذا يدعون إلى المقاطعة ويهددون بإفشال الانتخابات؟ لماذا لاتزال دفة المشاركة أو المقاطعة أداة تفاوض يلعبون بها مع السلطة طمعاً في نيل مناصب ومكاسب قادمة؟ لماذا المماطلة والادعاء بعدم العدل في الدوائر الانتخابية واستخدام ذلك كورقة سياسية تفاوضية؟ أين الملفات الوطنية التي تبنوها إبان وجودهم في البرلمان؟ أين الإنجازات التي وعدوا بها المواطن البسيط، والذي لا يطمح لأكثر من سكن لائق وراتب جيد ووظيفة محترمة؟
ادعاء مقاطعة الانتخابات البرلمانية ورقة تستغل حالياً، حينما يطلق علي سلمان كلاماً لا هو «أبيض ولا أسود»، وحينما يقلل من قيمة الانتخابات التي كان يراها في تسعينات القرن الماضي العتبة الأولى من مخطط دولته الإرهابية، وإن كان البرلمان مؤسسة شكلية، كما يراه، ولا تمثله فلماذا «هو شاط نفسه وايد» بالدعوات المبطنة لمقاطعة الانتخابات بدلاً من ترك المواطنين «أحراراً» يختارون ما يريدون بأنفسهم.