عبر سنوات طويلة من تاريخ البحرين الحديث تم تكوين تكتلات سياسية وطائفية دينية لمواجهة الدولة ضمن مخطط استراتيجي محلي وخارجي، إلا أن من الواضح أن هذه التكتلات كانت تكبر وتتمدد تحت أعين الدولة والمجتمع، حتى أصبحت تشكل قطباً يعادي الدولة والمجتمع، ويهدد الاثنين ما لم يحصل على ما يريد.
ما نمر به اليوم من مرحلة يمكن تسميتها «مرحلة الارتجاج الإقليمي» الذي يهدد المنطقة ودول الأطراف في الخليج العربي، كانت تتطلب من الدولة أن تعد عدتها ومشروعها «غير المعلن» لمواجهة الإرهاب المحلي، أوحتى تصبح الأيادي مكتوفة حتى وإن مر علينا أي اضطراب إقليمي محيط بنا.
هناك تساؤولات تشغل أي إنسان يستشرف ويقرأ المشهد البحريني، أولها؛ هل كانت الدولة تتفرج على هذه التكتلات الدينية والطائفية تتمدد وتكبر حتى أصبح هناك مناطق شبه خارجة عن سلطة القانون، وبالتالي تصبح مرتعاً للخلايا الإرهابية وتصنيع المتفجرات؟
نطرح السؤال بشكل مختلف؛ بعد كل الذي مرت به الدولة من محاولات انقلاب، ألم يكن للدولة مشروعها لمواجهة الانقلابات المتتالية التي تأتي كل عشرة أعوام؟
هل اقتصر تخطيط الدولة فقط لامتصاص الصدمة بأن تدعو للحوار وينتهي الأمر عند ذلك؟ حتى وإن شارك الانقلابيون فإن مشروعاً مثل الحوار إنما هو مشروع مرحلي رغم رفض قوى بالمجتمع التحاور مع الانقلابي أصلاً.
أي دولة تعرضت لما تعرضنا له لابد أن يكون لها مشروعها لمواجهة (انقلابات الـ 10 أعوام)، فلا يعقل أن نجلس ننتظر ما يقع وبعد ذلك نفكر في إفشاله، وإن فشل نركن إلى الخنوع والفتور ونحاول أن نوهم أنفسنا أن الحوار سيقضي على المشكلة، أو أنه لن يفضي إلى مشكلة أكبر مستقبلاً.
من هنا فإن ما تنهجه الدول التي تتعرض لأزمات متوالية، فإنها تستعين بالدراسات ومراكز الأبحاث، وتحصي الأخطاء التي أدت للوصول لهذه الأزمة.
فمثلاً يأتي سؤال؛ كيف حدث كل هذا العصيان المدني؟ لماذا كانت هناك وزارتان كبيرتان، لديهما أكبر ميزانيات بين الوزارات ولديها أكبر عدد من الموظفين، وهما التربية والتعليم، والصحة تعانيان خلال الأزمة، لماذا كانت هاتان الوزارتان مركزاً رئيساً لمحاولة الانقلاب؟
ما طرحته مثالاً ليس إلا، والشركات الحكومية ليست بعيدة عن ذلك، هذه الأمثلة تحتاج إلى دراسة، كأحد أوجه أسباب انقلاب وتعطيل وزارات كبيرة أفضت إلى شلل الدولة.
المشروع الأمريكي للمنطقة هو تفتيت المفتت وتقسيم المقسم، وإشعال الحروب بين الشعب الواحد حتى تنهار الدولة من الداخل.
تفتيت المفتت كاستراتيجية أمريكية للمنطقة نبعت من عقول مستشارين وخبراء، هؤلاء الخبراء يضعون دراساتهم التي تقول إن الخطر يأتي من الدول العربية والإسلامية، وأن أفضل خدمة للكيان الصهيوني هو مشروع تفتيت المفتت.
من هنا فإن هناك مشروعاً، وهناك دراسات، وهناك عقولاً، وهناك تنفيذاً، هذا لدى الغرب.
لكن ألا نحتاج نحن كدولة أن نواجه عمليات الانقلاب كل عشر سنوات بذات الفكرة، ولكن أن تكون فكرة بحرينية ومن أشخاص يرون ويعرفون بواطن الأمور ويحللون الأرقام، ويضعون التصورات من أجل إفشال المخططات التي يضعها المتطرفون الطائفيون من أجل النيل من الدولة والاستيلاء عليها؟
سلسلة الانقلابات وتطور أساليب الإرهاب وتكاثر الخلايا النائمة، كان يتطلب أن يكون للدولة مشروعها، وهذا ليس بالأمر الصعب، بل تحتاج إلى ضرب الحجر بالحجر، وأترك الأمر يحدث من بعيد.
إما أن تبقى الدولة تنتظر الحجرين يأتيانها فهذا يؤدي إلى توالي عمليات الانقلاب وانتظار المجهول، خاصة وأنه لا يمكن التنبؤ بالظروف الإقليمية.
نشرت الصحافة مؤخراً أنه تم نصب نقطة تفتيش عند مدخل القرى من مجموعة شباب، هذه الصورة الصغيرة تظهر أن هناك مناطق تخرج عن سلطة الدولة، بل أن الدولة خلقت مناطق مغلقة وساهمت في ذلك من خلال إهمال وسوء إدارة تخطيط المناطق في وزارة البلديات، والتي خضعت لأناس تعرفونهم قبل أن نعرفهم، وهذا من أخطاء الدولة الكبرى، وهذه المناطق المغلقة أصبحت كثيرة، وهي البؤر التي تتشكل فيها خلايا الإرهاب.
تساءلنا مراراً عن مشروع الدولة لمواجهة الإرهاب وعمليات الانقلاب، لكننا نرى أنه ما أن يخيم بعض الهدوء فهناك من يظن أن المشكلة انتهت، أو أن حل الأزمة بأن أمكن وأعطي مكاسب لمن قام بالانقلاب، وهذا الفكر يؤدي إلى انقلاب أكبر في أعوام أقل من عشر سنوات، فالأحجار التي تأتي الدولة يجب أن تضرب بعضها بعضاً..!