«1»
يربــــط النـــاس كلمــــة الوفــــاء بـ«الكلب»؛ وهي كذلك في كثير من المواضع، أو أن شواهد التاريخ وفي أدبيات العرب كثيراً ما ربط الوفاء بالكلب، غير أن ليس كل كلب وفيّاً وليس كل قط ناكر جميل، أو كما يقـول العرب أيضاً: «القط يأكل وينسى»..!!
لا أعرف هل لأن القطط تمارس لعبة الحنان مع بني الإنسان؛ فتجدها كثيراً ما تلتصق بجسد الإنسان، وتحنو عليه وتتلوى وكأنها تستعطفه، فهل من أجل ذلك تتعلق قلوب الفتيات وقلوب بعض الشباب بالقطط؟
رغم أنه يقال بأن وجودها داخل البيت يجلب الأمراض.
«2»
أصبح مشهد تلك القطة حديث الناس، فقد انتشر هذا الفيديو كثيراً، وأصبح حديث المحطات ونشرات الأخبار، وهو مقطع يظهر طفلاً صغيراً يلعب على دراجته، فيأتي كلب ممتلئ ويهاجمه وينهش رجله، وفجأة تأتي قطة صغيرة (وهي قطة تربيها أسرة الطفل) وتهجم على وجه الكلب ثم ينهزم الكلب ويولي الأدبار ويركض بعيداً..!
مشهد مثير وغريب، وربما لا يتكرر كثيراً، لكن المهم في الأمر؛ من أين أتت هذه القطة بهذه الشجاعة والجرأة حتى تهجم على وجه الكلب الكبير وتخلص الطفل منه؟
إنها الإرادة، والشجاعة، وقوة الموقف، ووفاء القطة للأسرة التي ربتها، ودفاعها عن الطفل الصغير الذي لم يكن أحد ليعلم عنه لو نهش الكلب رجله.
«3»
موقف القطة والكلب لم يكن موقفاً عادياً بالنسبة لي، شاهدته ذات مرة، كنت أعيد فيها هجمة القطة على وجه الكلب، هذا الموقف أعاد لي الكثير من المواقف والشواهد، وربما بعض الذكريات.
الموقف لم يكن بالنسبة لي (كلب وقط)؛ إنما ظهرت صور كثيرة أمامي، صور مواقف، وصور دول، وصور..
تذكرت ذلك الموقف الذي لا أعرف تفسيره حتى اليوم رغم مرور ثلاث سنوات عليه، هو حين تلا السيد بسيوني توصياته، وقبلها كلمته التي قال فيها إن «لا أدلة قدمتها البحرين على التدخل الإيراني في أزمة 2011..!».
منذ ذلك الحين وأنا لا أعرف كيف أفسر موقف البحرين، نحن أنفسنا من أنكرنا ضمنياً التدخل الإيراني رغم شواهده وإثباتاته في الداخل، ومن تصريحات المسؤولين الإيرانيين، لكننا لم نقدم لبسيوني الأدلة..!
«4»
خرجت في الآونة الأخيرة مواقف كثيرة، وتصريحات كثيرة من ساسة ونواب بريطانيين يؤكدون بالشواهد التدخل الإيراني في البحرين، ويتحدثون عن ذلك بإسهاب، وقد نشرت تصريحاتهم وأغلبها كانت في صحيفة أخبار الخليج (ويحسب لأخبار الخليج أنها تنشر أخباراً وتحليلات في هذا الجانب لا تراها في الصحف الأخرى) إلا أننا كدولة لم نكن نرى أن لإيران تدخلاً في أزمة 2011..!
بالأمس نشرت أخبار الخليج خبراً في صفحتها الأولى بعنوانه «في جلسة استماع في الكونجرس الأمريكي.. إيران تدعم جماعات العنف الشيعية وشبكات الإرهاب بالبحرين».
وقد قال خبير أمريكي أدلى بشهادته خلال الجلسة، ويدعى الدكتور ديفيد اندرو وينبرج: «إن إيران تستخدم الشيعة في دول الخليج العربية أداة طائفية لتهديد السلطة الوطنية ولنشر الإرهاب».
وقال: «إن إيران تقوم بدعم الجماعات الشيعية العنيفة في البحرين بأسلحة متطورة، وإنه على الرغم من أن حكومة البحرين تسمح بالاحتجاجات السلمية، فإن الشبكات الإرهابية المرتبطة بإيران تقوم بتخزين أسلحة إيرانية لاستهداف رجال الأمن والمنشآت العامة».
«5»
جزء كبير مما يجري من تحولات في المواقف الأمريكية والبريطانية العلنية مؤخراً هو بسبب ما تقوم به دول الخليج، والبحرين تحديداً، من إقامة تحالفات وعلاقات واتفاقات بين الدولة مجتمعة وبين (الصين، وروسيا، والهند، واليابان، وكوريا).
هذه هي الواجهة الخلفية لتغير المواقف الأمريكية، وقد كنا كصحافة ننادي بذلك منذ فترة طويلة، إلا أن أزمة 2011 التي كشفت حقيقة المواقف الأمريكية لنا كشعوب وكحكومات، وكانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس.
التوجه نحو الشرق وإقامة تحالف قوي بين السعودية والإمارات البحرين والكويت من جانب، وبين مصر والأردن والمغرب من جانب آخر، أيضاً ألقى بظلاله على المواقف الأمريكية التي تغيرت فعلاً، وكانت تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكية بالبحرين مؤخراً دليلاً على هذا التغير.
الفارق بين خطاب أوباما الممجوج والذي ينم عن عدم خبرة (وربما ينم عن استهداف حقيقي) حين وجه البحرين لأن تعمل ذلك وكذا وكذا، وذكر جمعية انقلابية في خطابه، فقد ظهر في ذلك الخطاب سياسة استهداف أمريكية للحلفاء مبنية على تعيين سفراء (انقلابيين) في دول حليفة، وعلى معلومات من موظفين في السفارات ينتمون إلى جمعيات سياسية تدعم الإرهاب وتموله.
ظهر الفارق كبيراً بين ذلك الخطاب وبين تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكية بالبحرين مؤخراً، وكان أحد أسباب هذا التحول -بوجهة نظر شخصية- هي تلك الرحلات والاتفاقات مع الشرق، في وقت تنحسر الأمواج الأمريكية عالمياً، وفي وقت تعاني فيه أمريكا الأمرين اقتصادياً، مما ينعكس على النفوذ والقوة الخارجية والهيمنة، حتى إن أوباما قلص ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية ولذلك دلالات كثيرة.
لذلك أصبحت هناك مواقف كثيرة تظهر العجز الأمريكي (عالمياً)؛ آخرها في القرم، وفي أوكرانيا وقضيتها مع روسيا، فقد فعلت روسيا ما أرادت وتركت الكلام للأمريكان.
«6»
لا يفارقني ذلك المشهد في 2011، دول كبيرة أصبحت في مهب الريح، لديها جيوش، ولديها قوات أمن، ولديها حكومات، لكن العاصفة اقتلعتها، وإلى اليوم تعاني تلك الدول من لعبة التغيير الأمريكية -مع أعوان أمريكا في المنطقة- الذين يلعبون بأمن الدول العربية الأخرى.
البحرين دولة صغيرة وأتت عليها العاصفة، لكنها بفضل الواحد الأحد سبحانه أولاً وأخيراً، بفضله صمدت وبقيت ولم تقتلعها العاصفة، رغم التآمر الأمريكي الإيراني، ورغم خناجر الخاصرة بالداخل (أو ما يسمى بالمشروع النائم محلياً) والذين انقلبوا وبانت معادنهم ووجوههم في عمق الأزمة.
هذه الدولة الصغيرة على ضفاف الخليج، تستحق لقب الأسد الصغير، فقد تحطمت على سواحلها المؤامرات، وبقيت بفضل الله صامدة، العراق في الفوضى والحكم الإيراني الطائفي، ليبيا كما ترون، ونسأل الأمن والسلامة لمصر الحبيبة، اليمن كما ترون، مجازر الصفويين في سوريا تدمي القلوب، المشهد كله أمامكم فوضى ودماء وعدم استقرار، لكن هذا الأسد الصغير بقي بفضل الله ومنته وبفضل مواقف أهله الشرفاء، وبفضل مواقف السعودية والإمارات، تحطمت المؤامرة الأمريكية الإيرانية هنا، ولم ينجح مشروعهم لغزو السعودية من البحرين..!
يحق لنا أن نقول عن البحرين إنها الأسد الصغير الذي هزم الكلاب الكبار..!
«7»
يحتاج بعض مسؤولينا أن يروا موقف القط والكلب، ففيه دلالات وفيه إسقاطات وفيه عبر، وفيه استخلاص حكم، القط صغير الحجم والكلب كبير وأنيابه كبيرة وأياديه كبيرة، واندفاعه كبير، وصوته أكبر، وفمه أكبر، لكنه انهزم أمام موقف قط صغير هجم عليه في لحظة استئساد وفي دفاعه عن طفل صغير، إنه قوة موقف، وقوة إرادة، ودفاع عن حق، في وجه الباطل.
قط صغير بقوة موقفه هزم الكلب الكبير، فلم يقل القط الصغير عليّ أن أبني علاقة صداقة مع جاري الكلب حتى أأمن شره، ليست هناك صداقة بين الكلب والقط، وقد جاء اليوم الذي نرى فيه أن القط يهزم الكلب، لأن للقط موقفاً، وقضية ومبدأ، وقوة إرادة..!