بعيداً عن الإحباط والجدل بشأن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير، وبعيداً عن النقاش المحتدم بشأن برنامج عمل الحكومة، واهتمام المواطنين بسيادة القانون وضبط الأمن أكثر فأكثر.
من المهم أن يتم التفكير في معالجة استراتيجية للأوضاع الاقتصادية التي يمكن أن تمر بها الدولة خلال الفترة المقبلة في ظل تراجع أسعار النفط، وبالتالي تراجع قدرة الدولة الاقتصادية وتأثيرها المباشر على المواطن لاحقاً.
الاقتصاد البحريني لم تتح له فرصة التعافي منذ العام 2008 إن لم يكن قبل ذلك بقليل، فمن الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في ذلك الوقت، انتقالاً إلى أزمة 2011 العميقة التي كشفت تأثير السياسة على الاقتصاد، فانتقلت أخيراً لمرحلة جديدة مع أزمة الأسعار النفطية، ومن غير الواضح الإطار الزمني لهذا الانخفاض الرهيب.
الأزمات الثلاث تداخلت فيها عوامل داخلية وأخرى خارجية، وقد تكون خارجة عن الإرادة الحكومية في أحايين كثيرة. ولكنه لم يتم التفكير جدياً في حلول خارج الصندوق، بحيث تكون وسائل مبتكرة وغير تقليدية يمكن اللجوء إليها لمواجهة تحديات الفترة المقبلة.
على مدى عقد من الزمن تضخم الجهاز الحكومي بشكل غير مسبوق نتيجة لمشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي، ومن الأمثلة على ذلك قطاع العمل الذي كانت تديره وزارة العمل لعقود، تحولت إدارة القطاع إلى عدة مؤسسات (وزارة العمل، هيئة تنظيم سوق العمل، تمكين)، وكذلك قطاع التعليم الذي تفتت إلى عدة مؤسسات (وزارة التربية والتعليم، مجلس التعليم العالي، هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب)، وأيضاً القطاع الصحي (وزارة الصحة، هيئة تنظيم المهن الطبية، المجلس الأعلى للصحة)، هذه مجرد أمثلة، ويمكن الحديث عن تعقيد أكثر في الجهاز الحكومي.
تفتيت القطاعات الحكومية إلى مؤسسات قد تكون استراتيجية مجدية إدارياً، ولكنها غير مجدية اقتصادياً، في ظل تراجع الإيرادات، وتنامي الدين العام. حيث أدت هذه الاستراتيجية إلى تضخم كبير في الجهاز الحكومي وصل إلى الآلاف، وهو تضخم مكلف، ولا يمكن من خلاله تجاوز الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
إذا كانت هناك رغبة حقيقية ـ كما يقدمها برنامج عمل الحكومة المقترح ـ لترشيد النفقات، فلابد من إعادة النظر في تضخم الجهاز الحكومي الذي يكلف الدولة ملايين أكبر بكثير من تلك التي يتم انتقادها، لأن استراتيجية تفتيت القطاعات الحكومية أثبتت فشلها وتتسم بعدم المرونة، وإلغاؤها مكلف للغاية، ومع ذلك فإن العمل لإعادة هندسة الجهاز الحكومي والحد من حجمه باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل.