كل إنسان عاقل يدرك أن الأخطاء هي من سمات الإنسان؛ الجميع يخطئ ويصيب، غير أن الأهم من كل ذلك هو أن الإنسان يملك عقلاً يميز بين الموقف الصحيح والخاطئ، ولو بعد حين، وأن يملك الجرأة والقوة على الاعتراف بالخطأ.
أكبر الأخطاء التي لا تغتفر، ولا يمكن أن تبرر تلك الأخطاء التي تقع في حق الوطن، هذه أخطاء لا تغتفر أبداً، ولا يمكن إيجاد مخارج لها أو تبرير.
على بعض الشيعة (الذين وقفوا خلف الوفاق والولي الفقيه) أن يقوموا اليوم بمراجعات كبيرة لمواقفهم، وأن يعترفوا أنهم وقفوا موقفاً خاطئاً تماماً، وهذا الموقف الخاطئ أوصلهم إلى هذه المرحلة من الخيبات والهزيمة والانكسار.
لا نقول كلاماً إنشائياً فقط؛ بل سنذكر لكم كيف أضاعكم الولي الفقيه، وكيف أضاعتكم الوفاق، وكيف ضيعكم خيار الإرهاب والقتل.
كانت هناك فرصة ذهبية لكم حين طرحت عليكم مبادرة في أثناء احتلال الدوار، وكانت مبادرة بها نقاط «لا تحلمون بها»، لكن الولي الفقيه ضيعكم وركب رأسه، وقال إما دستور جديد وإما لا حل ولا انسحاب من الدوار.
كان في تلك المبادرة نقاط لو تم تطبيقها اليوم لذهب مستقبل البحرين، لكن الله وحده قد أعماكم عن القبول بها، وأخذتكم العزة بالإثم حتى وصلتم اليوم إلى حبس علي سلمان وسيد كاظم.
كان انسحاب الوفاق من البرلمان يعبر عن صبيانية القرار في هذه الجمعية، ولو أن أحداً عاقلاً هناك لقال لكم إن تأثيركم داخل المجلس أكبر، وأن ذهابكم خارجياً كممثلين لمجلس النواب محرج للدولة، لكن ولله الحمد ارتكبتم أخطاء طفولية قادتكم إلى هذا الوضع الذي وصلتم إليه اليوم.
الأخطاء لم تتوقف، وهذا دليل ألا قيادة رشيدة لدى الولي الفقيه أو الجمعية الانقلابية وبقية الجمعيات الأقزام أتباع الوفاق، فبعد أن تم تحرير الدوار أدركوا أنهم كانوا على خطأ، وكان ينبغي القبول بالمبادرة، وأدركوا أن أمريكا وبريطانيا والمنظمات لم تفعل لهم شيئاً، وأن واقع البحرين يختلف عن البقية، فدول المجلس لن تترك البحرين تذهب كلقمة سائغة.
بعد ذلك جاء خطأ الانسحاب من حوار التوافق الوطني، وكان بالإمكان أن تحصل الوفاق والأتباع الصغار على مكاسب جيدة من خلال هذا الحوار، لكن المراهقة السياسية قادتهم إلى الانسحاب من الحوار.
لم تتوقف الأخطاء هنا؛ فقد عادت الدولة وطرحت حواراً آخر وشاركت الوفاق ثم انسحبت، فماذا تسمون كل ذلك؟ أليس هذا الذي أوصلكم إلى هذا الوضع من الهزيمة والضياع والانكسار؟
لم تتوقف المراهقة السياسية عند هذا؛ بل وبعد كل الذي حدث وجرى قامت الوفاق بمقاطعة الانتخابات الأخيرة، وهذا كان الفصل الأخير من حالة الضياع والتخبطات والقرارات الخاطئة، فكان هذا القرار المسمار الأخير في نعش الوفاق.
مع كل هذا وخلال هذا المشوار طوال أربعة أعوام كان خيار الإرهاب من أجل الضغط على الدولة والمجتمع لم ينجح هذه المرة، بل انقلب السحر على الساحر، وكان هذا الإرهاب سبباً في نزع الغطاء الخارجي عن هذه الجمعية.
ما كتبه المدعو فاضل عباس حول تخبطات الوفاق كان صحيحاً، لكن كل تخبطات الوفاق كان هذا المدعو مشاركاً فيها، وهو يقود جمعية من غير جمهور.
أخذوا الآن يقذفون الأمريكان والبريطانيين، لكن في الحقيقة كنتم تعولون على المشروع الأمريكي وكنتم أداة له «شيطانكم الأكبر» كان وهماً، أنتم أكبر مدلسين، وضعتم بيضكم في السلة الأمريكية فسرق الأمريكان البيض «الفار ما يتأمن شحمه»..!
ثم أخذتم تقذفون مواقف السفير البريطاني، وهو لم يقل شيئاً غير الحقيقة، فحين شاهد الإقبال الكثيف من الناخبين قال إن الإقبال كبير وأن المقاطعة لم تنجح. فهل قال كفراً؟! هو شخص الواقع الذي رأيتموه أنتم بأنفسكم. من بعد الأمريكان والبريطانيين بقى لكم الإيرانيون وحزب الشيطان، وأعتقد أن غطاءهم لا يكفي أصلاً ولا يملي على البحرين، وأنتم تعرفون ذلك.
الإيرانيون يعانون اليوم من هزائم كبيرة وكثيرة، والقادم أسوأ، ولعبة النفط قد تجعلهم يعانون من ثورة داخلية ضد نظام الملالي.
إلى ماذا أوصلكم دوار الخيمة 6؟.. ماذا جنيتم؟ أين المطالب؟ أين هتافات «هيهات منا الذلة»؟ أين هتافاتكم داخل مستشفى السلمانية الذي تم احتلاله عبر سنوات حين أخذ ذلك الطبيب يهتف منصورين والناصر الله، فقد وصلته إخبارية بأن الإيرانيين سيدخلون عن طريق المرفأ المالي، وأخذ يردد منصورين والناصر الله.
الناصر الله سبحانه، لكن الله ينصر من يشاء من عباده ويعز من يشاء ويذل من يشاء، والحمد لله أن أزمة 2011 كانت في ظاهرها أزمة وفي باطنها منحة وانتصار على المدى الطويل.
لكن بعد كل ذلك وبعد كل هذا الانقلاب هل استفاقت الدولة؟ هل في كل مرة تسلم الجرة؟ وأنتم تسلمون مفاصل الدولة من يغدر بكم في ساعة الصفر؟ ألا يوجد من يخطط؟ ألا يوجد من يفكر؟ ألا يوجد من يستفيد من المحن والدروس؟
الحرب على البحرين لن تتوقف ويجب تصحيح مسار الدولة، ويجب أن نضع درس 2011 أمام أعيننا في كل أمر، بدءاً من بعثات وزارة التربية والاستيلاء على التعليم من الداخل، مروراً بالاستيلاء على مستشفى السلمانية وغيره من الأماكن.
الحمد لله كل الأمور انقلبت على من أراد أن ينقلب على الشرعية، والفضل لله أولاً قبل أي شيء، ومن ثم الفضل لهذا الشعب الذي وقف وقفة مشرفة، وإلى وقفة المملكة العربية السعودية والإمارات وبقية الأشقاء في الأردن وغيرها من الدول.
حالة الفشل الواضح الفاضح لمحاولة الانقلاب أوصلتكم إلى ما ترون بأم أعينكم اليوم، لكن العتب يبقى على الدولة التي كانت تسير في طريق الانقلاب دون أن تعلم، أو أنها كانت تعلم ولا تريد أن تفهم، أو كمن يضع يده على عينه من أجل ألا يرى شيئاً أمام عينه.