من غير المقبول أن تتعدى وسيلة إعلام غربية على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تحت أي شعار ثقافي أو تحرري. ومن غير المقبول أيضاً أن يكون الرد على الإساءة لنبينا بسفك الدماء؛ فقد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأصحابه للإساءة في العرض والدين والعقل ولم يبادر أحدهم بقتل المسيء أو الأمر بقتله. على صعيد آخر من غير المقبول، أيضاً، أن تستغل حادثة «شارلي إيبدو» لوسم العرب والمسلمين بالإرهاب وحصر المنطقة في دائرة المناطق المتوجب معالجتها أمنياً ضد الإرهاب.
حشدت فرنسا في مسيرة باريس المليونية الرافضة للإرهاب العديد من زعماء العالم ورموزه الثقافية. وكان أهم رموز مسيرة باريس الإرهابي الأول في العالم بن يمين نتنياهو. المسيرة كانت إحدى منتجات النفاق الدولي، وسردية مصطنعة تستحضر صورة الغرب المتحضر الإنساني أمام صورة الشرق الهمجي البربري. مشهد مسيرة باريس لا يختلف عن المشهد الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م. فباريس التي رعت الإرهاب الأسود في ليبيا وسوريا ومولته وجمعت شتاته من أقطاب العالم لإسقاط النظامين الليبي والسوري ومن ثم تشكلت تنظيمات داعش والنصرة، هي ذاتها أمريكا التي صنعت القاعدة ومولتها ودربتها لإخراج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان ومن ثم تشكلت تنظيمات القاعدة الارتدادية في كل البقاع العربية والإسلامية. بالتالي قد نكون أمام موجة عسكرية أو سياسية جديدة تعصف بالمنطقة العربية والإسلامية شبيهة بالعواصف الأمريكية التي احتلت أفغانستان والعراق بعد أحداث 11سبتمبر بحجة محاربة الإرهاب.
في المقابل انقسم الرد العربي / الإسلامي بين ما يشبه المعتذر عن الحادث الإرهابي على صحيفة شارلي إيبدو، والمتضامن مع فرنسا إزاء ما تواجهه من إرهاب. ولم يتبلور موقف رسمي يحمل الغرب مسؤولية صنع الخلايا الإرهابية وزرعها في الشرق العربي الإسلامي، ولم يتبلور موقف يدين تدخل تلك الدول في الشؤون الثقافية الإسلامية واستغلالها بعض حالات التطرف المذهبي والفردي لخلق حالة من الإرهاب المتدثرة بالدين. نحن نقبل كل ما يوجه إلينا، ونرضخ لكل الابتزازات، وكثيراً ما شاركنا في الاعتداء على بعضنا منساقين خلف الذرائع الغربية.
لذلك، فمن المفهوم أن يكون أول رد لصحيفة «شارلي إيبدو» أن تعيد نشر الرسوم المسيئة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يبادر بعض المخرجين بإنتاج أفلام مسيئة لجنابه الكريم. بل من المتوقع أن يتعرض المسلمون في الدول الغربية، التي رفعت في مسيرة باريس شعار الإنسانية وقبول التنوع، إلى معاملات أمنية واجتماعية قاسية وأن يعاد ترتيب الوضع العسكري في المنطقة بصورة تخدم أجندات غربية استعمارية، ولنتذكر تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن الحرب ضد تنظيم داعش المفكك والبدائي قد تستغرق عشرين عاماً، وهي فترة لم تستغرقها الحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان ولم تستغرقها عملية إسقاط نظام صدام حسين.
النفاق الدولي في باريس الذي كنا جزءاً منه قد ندفع نحن ثمنه كما دفعنا ثمن كل طموح غربي وكل تخاذل عربي.