بالأمس اختبرت البحرين آلية جديدة من آليات ديمقراطيتها الناشئة بتقديم سمو رئيس الوزراء برنامج عمل الحكومة للسنوات الأربع المقبلة للغرفة المنتخبة من السلطة التشريعية.
اطلع ممثلو الشعب على برنامج عمل الحكومة الذي يعكس اهتمامات وأولويات المرحلة الجديدة وما يفترض أن تركز عليه مختلف الوزارات والأجهزة الحكومية. كما يطلع اليوم الرأي العام من خلال الصحافة على برنامج الحكومة، وبالتالي يحق للجميع إبداء وجهات نظرهم وآرائهم تجاه ما يمكن أن تقوم به الحكومة.
هذا التطور اللافت لم يأتِ من فراغ، بل جاء بناءً على قناعة مشتركة من كافة مكونات المجتمع بضرورة تطوير تجربة التحول الديمقراطي في البحرين، وتطوير العلاقة القائمة بين الحكومة والبرلمان لتنتقل إلى مرحلة تفعيل الإرادة الشعبية في الحكومة.
نعود بالذاكرة إلى صيف 2011 الساخن بعد أزمة أسخن، حيث عقد حوار التوافق الوطني بناءً على طلب من جلالة الملك، والذي أكد جلالته في أكثر من مرة تقديره للإرادة الشعبية متى ما توافقت على مصلحة البحرين، ولذلك وافق جلالته حينها على كافة المرئيات المتوافق عليها والمرفوعة إليه.
الحرص الكبير من جلالة الملك على التوافق يعد مبدأ أساسياً من مبادئ الحكم اختطه جلالته منذ توليه مقاليد الحكم في نهاية القرن العشرين. ولذلك لم يقر مشروع ميثاق العمل الوطني، بل وجه لاستفتاء الشعب عليه وكانت النتيجة تأييداً ساحقاً من الغالبية العظمى لشعب البحرين.
وفكرة التوافق جاءت أيضاً انطلاقاً من فهم عميق لخصائص مجتمعنا المحلي المتنوع للغاية، ففي ظل هذا التنوع لا يمكن لأي مكون تجاهل المكونات الأخرى وتهميشها أو إقصاؤها لأن المصلحة العامة التي توفر الحد الأدنى لمصالح الجميع هي الأساس.
في حوار 2011 دار نقاش وجدل واسع بحضور جميع الجمعيات السياسية وحتى الراديكالية منها بشأن كيفية تفعيل الإرادة الشعبية في الحكومة. حينها كان الانقسام بيناً، ففريق كان يطالب بما أسماه حكومة منتخبة على غرار «الديمقراطيات العريقة»، وفريق آخر طالب ببحث آليات أخرى من أجل تحقيق الهدف نفسه باعتباره مكتسباً دستورياً «السيادة للشعب».
لم يكن الخلاف في الرأي آنذاك في الهدف، وإنما في الشكل والتطبيق. فالمطالبة بحكومة منتخبة كما هو بعض الديمقراطيات الغربية تتطلب نظاماً حزبياً متقدماً على تجربة الجمعيات السياسية المعمول لها في البلاد منذ بضع سنوات، ويدفع إلى حرق المراحل لتكون الديمقراطية البحرينية مشوهة. أما الفريق الثاني فكان يرى أنه مادام الهدف هو تحقيق الإرادة الشعبية فيجب البحث في آليات أخرى وإن كانت مبتكرة بما يتناسب وخصوصية المجتمع المحلي.
النقاش كان محتدماً، وفي النهاية وصل المتحاورون إلى توافق بشأن منح الحكومة الثقة السياسية مقابل برنامج عملها الذي تقدمه كل أربع سنوات في آلية متقدمة خليجياً وعربياً، فالثقة تمنح للحكومة من المجلس النيابي المنتخب ليمثل الإرادة الشعبية، وإذا لم ينل البرنامج الثقة بعد محاولات التعديل تقال الحكومة.
هذه هي الإرادة الشعبية التي يتم تفعيلها الآن لتمنح الحكومة الثقة السياسية وهي ثقة الشعب. هي خطوة مهمة في التحول الديمقراطي يجب التعامل معها بمسؤولية تامة لأنها خطوة متوافق عليها وتأتي في سياق التطور التدريجي لأي ديمقراطية ناشئة.