يبذل قادة دول الخليج جهوداً كبيرة للحفاظ على مجلس التعاون كمنظمة إقليمية تربطهم بإطار من الأخوة، ولعل من مظاهر ذلك الحرص حجم العتب فيما بينهم؛ والذي لم يظهر لولا الرهان عليه لتجاوز العقبات في جو من الأخوة، ومن تلك الجهود ما يبذله حالياً الشيخ صباح الأحمد الصباح -حفظه الله- بحرص لا يمكن تجاوزه حتى تنعقد على الأقل القمة القادمة.
فهل من موانع تحول دون ظهور مبادرة شعبية للمصالحة الخليجية تدعم ما يقوم به شيخ المصالحات؟ وهل حل الخلافات الخليجية حق للحكومات الخليجية فقط من باب إن «الشيوخ أبخص» حق جعلنا نتبنى -بمواقف تبريرية يغلب عليها التواطؤ مع الذات- إن من يجيب على السؤال عن نجاح المصالحات من عدمه هم صناع القرار في العواصم الخليجية فقط، فهم أصحاب الكلمات الفاصلة، فنهرب صامتين وكأن السؤال لا يعنينا، متناسين أن التزام الصمت يحملنا وزر النوايا!
وبعيداً عما اعتدنا اتباعه في الخليج في التعامل مع التحديات التي تواجه مسيرة التعاون؛ نجد أنه لابد من تحريك أدوات استثمارية أخرى حتى لا يفلس صندوق التعاون الخليجي الذي لا نعتمد عليه لأنفسنا فحسب؛ بل نعول عليه لأجيالنا القادمة، ففي الخليج تربطنا علاقة أخوة أكثر من كونها علاقة قرابة بعيدة، والتعاون الخليجي إرث شعبي مشترك قبل أن يكون قرار تشكيل منظمة إقليمية، وجراء المأزق الذي نعيشه لابد من مبادرة شعبية للمصالحة الخليجية تدعم جهد الساعين للمصالحة.
ولعل من المشجع على ذلك وجود حضور قوي لمبادرات المصالحة في واقعنا الخليجي على المستويات الشعبية، فالمبادرة الشعبية للمصالحة الخليجية آلية محلية للقفز فوق معوقات التعاون الخليجي، فالمواضيع التي يهتم بها المواطن الخليجي هي نفسها في كل الدول الست، ومن لا يعتقد أن الخلافات الخليجية على رأس تلك الاهتمامات لديه قصور في المتابعة، فقد يكون الاختلاف في مدى اتساع الاهتمام؛ لكن الشعور بألم الخلافات واحد. وقد يعتبر بعضهم المسألة خارج صلاحيات المواطن العادي؛ وهذا خطأ كبير، فالتعاون الخليجي لم يجرم تعاون منظمات المجتمع المدني الخليجية، بل شجع على تعاون مراكز الدراسات والأبحاث وجمعيات النفع العام ومجالس الشورى والبرلمانات، بل وحتى شيوخ القبائل والتكتلات السياسية والغرف التجارية.
ولكي يتفهم مجلس التعاون، كمنظمة إقليمية، فكرة المبادرات التي تسعى لتقريب وجهات النظر وتقليل الاحتقان الحالي، يمكن رفع الصوت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت ووسائل الإعلام كخطوة أولى، يتلو ذلك مرحلة صنع آليات تقديم مبادرة المصالحة، ثم تبادل التواصل بين منظمات المجتمع المدني للخروج بميثاق شرف يتم من خلاله التصدي «للهوشات الافتراضية» كمطلب شعبي أولي.
فمن المحزن أن الأصوات التي تدعوا للفرقة على المستوى الشعبي هي الأعلى دوياً، حيث تم تغييب البعد الشعبي حين يظهر في مزاج أقل تسامحاً مع من يفرقنا، وأصبحنا نجد أن من يعاني من أزمة هوية وانتماء خليجي حقيقي هو من خلق من نفسه رقماً صعباً في معادلات الحضور الجماهيري في بعض دول الخليج، وراح يحاول فك أواصر القربى بين الخليجيين، مبتكراً مجادلات زائفة كان من نتيجتها ما نعيشه من قلق مع اقتراب عقد القمة الخليجية. فالاصطفافات الشعبية خلف قرارات تفرق الخليجيين ستقود لضعف مجلس التعاون ثم انهياره، والأجدى شعبياً هو تدارك أمر الخلافات. وأخيراً؛ قد تبدو المبادرة الشعبية للمصالحة فكرة مغرقة في محافظتها لتكن؛ لكنها محاولة رغم قصورها عن التمام ستدعم جهد الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله في حل الخلافات الخليجية لتعقد القمة الخليجية القادمــة.