يبدو أن العرب، كل العرب، شعوباً وأنظمة ومنظمات، مشغولون جميعهم بما يسمى بالربيع العربي، فالشعوب مشغولة بالإطاحة بأنظمتها، والأنظمة مشغولة بالحفاظ على وجودها، هذا الصراع الثنائي بين الشعوب وأنظمتها تحول من صراع نحو تحقيق العدالة والاستقرار والتفاهم المطلوب بينهما إلى نوع من «الملهاة» السياسية وتخريب الأوطان، وممارسة الكثير من العنف والفوضى ولربما الديكتاتورية أيضاً، وهذا ما كانت تريده الدول المعادية للعرب وعلى رأسها «إسرائيل».
إن إصرار بعضنا في كون ما جرى ويجري في الوطن العربي هو ربيع عربي، إنما يعتبر نوعاً من أنواع التدليس السياسي، وهي الخرافة التي صنعناها فصدقناها بجهلنا مرة وبتجاهلنا للواقع مرات، فليس هنالك من ربيع ولا خريف، إنه الصيف الصهيوني الساخن الذي لن يمر دون أن يدمر كل محتويات ومضامين الأوطان العربية والإسلامية قاطبة.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على ما يسمى زوراً وبهتاناً بالربيع العربي، رأينا حقيقة واحدة لا غير، وهي أن عملية الفوضى التي عمت العالم وكل الهزات العنيفة التي عصفت به لم تتعرض لها أي من الدول الأجنبية ولا حتى إسرائيل، حتى قيل إن أكثر دول الشرق الأوسط استقراراً بعد الربيع العربي هي إسرائيل، لكن إذا عرف السبب بطل العجب.
إن قيام الانتفاضة الفلسطينية المباركة الثالثة هذه الأيام عرى زيف ما يسمى بالربيع العربي، وكشف زيف الأنظمة والشعوب والتيارات الثورية والسياسية والدينية في عالمنا العربي، فلم يحدث أن قام أحد هذه المكونات التي ذكرناها بتقديم يد العون للإخوة في فلسطين، على الرغم من يقيننا التام بحجم الأضرار التي لحقت بالإخوة في فلسطين المحتلة بعد تعرضهم لأبشع صنوف القصف العنيف المتواصل وللضرب والإهانات التي تصورها كاميراتهم لتنشر في فضائياتنا، إلا أننا مع كل هذه اليقينيات مازلنا مشغولين بأوضاعنا العربية.
إن الانتفاضة الفلسطينية الحالية كشفت الغطاء عن عورات الربيع العربي، خصوصاً للجماعات الدينية المسلحة التي كانت تدعو للجهاد في أوطانها وفي بقية أرجاء الوطن العربي، لكننا لم نجد لها بصمة في معركة الكرامة الفلسطينية القائمة، لأنهم وبكل بساطة فقدوا البوصلة وضاعوا في التيه العظيم، بينما الشعوب والأنظمة العربية يعيشون قمة اللهو السياسي على مائدة قمار الربيع العربي.
لا تحتاج المسألة لمزيد من الجهد والتحليل والتضليل، فالربيع العربي صناعة صهيونية، وما يؤكد لنا ذلك هو غياب الحس القومي بعد أول شرارة انطلقت من غزة الكرامة والعزة، وهذا ما كانت تسعى إليه جاهدة الدولة اللقيطة «إسرائيل»، حين صنعت الربيع العربي ليكون ملهاة وحائط صد لكل الخروقات التي يمكن أن تقوم بها ضد الفلسطينيين، فتظل غزة تحارب الصهيونية وحدها دون مدد من أحد، فكان لها ما شاءت.
هنالك فرق شاسع بين ربيع عربي يسعى للتغيير عبر أدوات سياسية منطقية تصنعها الشعوب بوعيها وبإدراكها وبإرادتها وبيدها، وبين ربيع مزيف صنعت كل تفاصيله ونتائجه في البيت الأبيض، ليستهلك في الوطن العربي بطريقة تدعونا للشفقة على شعوبنا وأوطاننا، أما الأنظمة فهي تتحمل جزءاً كبيراً من صناعة هذه الملهاة، أما بقية فصول تلك الفوضى فتتكفل بها الجماعات والعصابات الإسلاموية المسلحة من المحيط إلى الخليج، أما غزة فإنها ستظل وحدها تقاوم، فما الجديد في ذلك؟