بالأمس صرحت وزارة العدل بأن محكمة الاستئناف العليا المدنية أيدت الحكم الصادر بحل ما يسمى بـ«المجلس العلمائي» وتصفية أمواله وغلق مقره، وأن محكمة التنفيذ أصدرت قرارها بالتنفيذ من قبل الجهات المختصة.
هذه الخطوة تأتي متأخرة جداً، وبعد سنوات طوال من عمل هذا الكيان «غير المرخص» في البحرين، وتأسيسه لنفسه «تحت عيون الدولة» التي تراقب ولا تتحرك، بل وإطلاق موقع إلكتروني وقنوات اتصال كما الكيان المؤسس والمرخص فعلاً.
بالتالي نقول بأنها خطوة متأخرة، لأن هذا الإجراء كان يفترض أن يحصل منذ زمن طويل، وكان يفترض من البداية أن يتم تشميع أي كيان غير مرخص وغير قانوني بغض النظر عما يمثله وما يمارس، أولسنا نقول بأننا دولة مؤسسات وقانون؟! بالتالي أي قانون هذا الذي يترك كيانات غير شرعية تعمل لسنوات وتمنح بالتالي لنفسها حق «الاعتراف» بتقادم الزمن؟!
المشكلة هنا ليست في «حل» المجلس العلمائي الممارس للسياسة في إطار ديني طائفي فاضح، بل المشكلة في ترك من أسسوه وقاموا عليه ومارسوا «التهم» المنسوبة للمجلس دون محاسبة أو مساءلة بالقانون، إذ ليس «المجلس» ككيان ومجموعة أحجار وأبواب وسقف وجماد هو من قام بارتكاب المخالفات التي أشارت لها لائحة الاتهام وإثباتات القضية، بل الأشخاص هم من تجاوزوا القانون، لكنهم غير مسائلين إلى اللحظة.
هذا المجلس بحد ذاته «مادة» إعلامية دسمة إن كان هناك من مازال يؤمن بأن إعلامنا الرسمي مقصر في بيان حقيقة الوضع الطائفي الممارس من قبل بعض الجمعيات والشخصيات التي تدعي أمام الغرب أنها تنشد العدالة والديمقراطية، في حين أنها حقيقة مثال صارخ للتمييز والعنصرية والطائفية.
المجلس العلمائي إثبات على وجود لبنة تأسيس لاتجاه ديني متطرف، هو نواة لبناء كانتونات طائفية مثلما يفعل حزب الله الإيراني، بحيث يخرج في النهاية لينصب نفسه مجلساً متحدثاً باسم الشيعة، سواء قبلوا أم رفضوا، فلا يهم، المهم هنا أن يقول المجلس وعرابوه بأنهم هم من يمثلون شيعة البحرين.
أي محلل أجنبي لديه القدرة على التجرد من إصدار الأحكام العاطفية والانفعالية وغير الموضوعية، لو بحث في وضع المجلس العلمائي وكيف تأسس وما هي أهدافه وأجنداته، سيكتشف بأن وجود مثل هذا المجلس المتطرف في مذهبيته العنصري في معاملته الانقلابي في توجهه، مجرد وجوده طعن صريح للادعاء الكاذب الذي ترفعه الوفاق وأتباعها بأن مطلبها الأول هو «الدولة المدنية»!
أي دولة مدنية هذه التي يمسك بخناقها مستغلون للدين، موالون لمراجع بشرية، لا يحيدون عما يقولونه ويأمرونهم به؟! أين هي هذه الدولة المدنية التي يمكنها أن تحفظ حقوق الأقليات، وبالتحديد الأقليات غير المسلمة؟! هذا المجلس يصف نفسه بكل وضوح على أنه مجلس علمائي «شيعي» ما يعني أن «السني» لا وزن له ولا قيمة، ما يعني بشكل أدق أن ما تدعيه الوفاق من شعارات الديمقراطية والمساواة والحريات والدولة المدنية كلها «أكاذيب» ومحاولات «ضحك على ذقون» الغرب.
تدرك القوى المؤثرة في الغرب أن الوفاق تكذب في ما تدعيه، تدرك تماماً أن أمرهم في يد الولي الفقيه والذي بيده لا يمكن أن يشذ عن مسار المرشد الإيراني. ويدركون تماماً بأن المجلس العلمائي هو أصل التحريض وهو المؤثر على الناس باسم الدين، وهم من يحدد القوائم الإيمانية للانتخابات وهو من يرسم سياسة التعامل مع الحكم والمكونات الأخرى.
هذه غدة سرطانية من غدد عديدة يجب أن تستأصل في مجتمع بات أكبر تهديد له هو استخدام الدين كوسيلة للسيطرة على أكبر عدد من أعداد البشر وتطويعهم لخدمة أفكار وأهداف ومطامع أشخاص.
نعم، حل المجلس غير المرخص خطوة إيجابية وإن تأخرت، لكن حتى يكتمل الحكم في نجاعته، لابد من محاسبة من استغل المجلس ومارس من خلاله كل أدوار التحريض والطائفية والتحشيد والكره والدعوة للانقلاب.
فهل ستحاسبون الأشخاص الذين مازالوا مستمرين في ارتكاب نفس الجرائم في لائحة الدعوى! أم فقط ستكتفون بحل المجلس وتشميع المبنى «إن وجد أصلاً له مبنى»، وكأن الحجارة و»الطابوق» هي من حركت البشر باتجاه محاربة الدولة؟!