من أكثر الأشياء ألماً في هذه المهنة المتعبة ذهنياً فكرياً، مهنة الصحافة والكتابة، هو أن تكون لديك الكثير من الأمور، معلومات وتحليلات، التي تريد أن تكتبها لكنك لا تستطيع كتابتها، والمحاذير في البحرين ليست قانونية وحسب؛ إنما أكبر من ذلك.
هذا الشعور مؤلم للغاية، فتذهب لكتابة موضوع آخر غير ما كنت تريد كتابته وتكتب معلومات، ليست ما تريد أن تقولها أصلاً حتى وإن كانت المعلومات صحيحة، إلا أنها دون مستوى ما تريد طرحه، تفعل ذلك تحاشياً لكل الأمور التي نراها تحدث أمامنا، أو تحاشياً لمفاجآت غير سارة وهي كثيرة.
أحسب أن هذه المهنة هي من أصعب وأخطر المهن، فهي متعبة للفكر كثيراً، وتجعل الشعر الأبيض في رأسك ينتشر حتى وإن كان عمرك صغيراً، هي مهنة عدم التوقف عن التفكير والتحليل والاستنتاج، وكل ذلك له تبعاته على صحة الإنسان وهناك مخاطر أخرى كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
في الحالة البحرينية نشعر أن هناك بعض المراوحة في رؤية الدولة للمستقبل، إما أنها مراوحة أوأنها تردد، أوأنها عدم تحديد للهدف وبالتالي من الصعب أن تصل إلى شيء لم تحدد أصلاً ولم تضع الخطة لذلك.
هناك من أخذ «يزن ويزن» سواء من الداخل أو من الخارج وهو يوهم الدولة بأن الحل سياسي وليس فرض الأمن على جميع المناطق في البحرين، ومع عميق الأسف هناك من أخذ هذا الرأي وتبناه، حتى أصبح هذا الرأي يمثل قناعة عنده، وأعتقد جازماً أن هذا خطأ كبيراً، وهذا رأيي الشخصي.
مع كل ما سلمنا به أنه واقع فعلاً، وهو حجم الضغوط الخارجية على البحرين، إلا أننا كدولة نملك الكثير من خيوط اللعبة لنمارسها من أجل أن نحفظ أمن وطننا، وأن نقطع أيادي الإرهاب، وأن نجعل كل من يقوم بالإرهاب محاصراً حتى يقع في أيادي العدالة، لكننا لم نفعل ذلك، وأخذنا نصدق كلام من لا يتمنون الخير للبحرين في الداخل والخارج، وهو أن الحل هو حل سياسي..!
تصديق مقولة الحل السياسي قبل فرض الأمن وقطع دابر الإرهاب، والوصول لكل الخلايا في دولة صغيرة مثل البحرين إنما هو تفخيخ لمستقبل البحرين، هذا إن حدث فإنه نظرة ليست صحيحة، بل أننا نعيد إنتاج أزماتنا منذ الثمانينيات مروراً بالتسعينيات، وصولاً إلى عام الانقلاب.
حتى وإن كان من ضمن الحلول الوصول إلى حل سياسي توافقي بين جميع الأطراف في المجتمع، فقبل أن نصل إلى هذه المرحلة علينا أن نقطع دابر الإرهاب، وإلا فإن توالي حمل الشهداء إلى مقبرة الرفاع وغيرها من المقابر لن ينتهي، وسيتكرر ذلك أن الإرهاب لم يتم تدميره وتدمير من يقف خلفه، فأصبح هو المتحكم في وتيرة الأحداث، يختبئ وقت ما يريد ويخرج ويضرب وقت ما يريد.
لا أظن دولة في العالم تفعل ذلك، تريد أن تطبطب على الإرهاب بحلول سياسية تجعله يطل برأسه كيفما شاء ومتى ما شاء، وتجعله يكبر وينمو دون أن تصل إليه الدولة، حتى تصبح لدينا في دولة صغيرة كانتونات مغلقة لا تصلها يد الدولة، وأحسب أن شيئاً من هذا يحدث اليوم.
في لعبة الشطرنج وهي لعبة جميلة وتنمي الذكاء، هناك أمر خطير جداً إذا مارسته فإنك تعجل بخسارة اللعبة.. ما هو هذا الأمر؟
أن تقوم بخطوة قبل الأخرى، بمعنى أن تقوم بالخطوة 2 قبل الخطوة 1، وهذا يجعلك مكشوفاً للخصم فيعرف ماذا تريد أن تلعب، ويقوم هو بردة الفعل المناسبة.
حين نقدم الحل السياسي، ونظن أنه هو المخرج مع كل هذا الإرهاب والقتل، فإننا نفعل كما يفعل لاعب الشطرنج، نقدم خطوة على الأخرى.
في تقديري أن قطع الإرهاب وتجفيفه تماماً يأتي قبل أي حل سياسي توافقي بين كل أطراف وقوى المجتمع، كما أننا كدولة تركنا جمعية سياسية لها ذراع عسكري يعمل على الأرض (حتى وإن قالوا إنه لا يتبعهم)، وتلجأ للقتل والتفجيرات كلما لم تعجبها اللعبة، وهذا أيضاً من الأخطاء المريرة القاسية التي تتفرج الدولة عليها.
يجب أن تتساوى الرؤوس على طاولة الحوار، إن كانت هناك طاولة، وإلا فإن من الخطأ جداً أن نستنسخ ونقبل ونسلم بتحويل البحرين إلى التجربة اللبنانية وما يفعله حزب الشيطان الذي يحمل السلاح دون بقية الأطراف هناك في لبنان، حتى وصل إلى مرحلة احتلال بيروت بالسلاح، وهو الهدف الرئيس من حمل السلاح، فمحاربة الصهاينة إنما هو وهم كبير، هم الآن يقتلون أهل السنة في سوريا، والعدو الصهيوني مازال يحتل الجولان ولم يتحركوا لقتاله يوماً..!!
هكذا نفعل بأنفسنا نحن بالبحرين، نترك طرفاً معروفاً يكون جناحه العسكري ويرهب ويقتل ليخضع الدولة وبقية القوى لأجندته الطائفية دون أن نتحرك لوقف هذا الأمر رغم أننا نراه أمامنا.
من هنا فإن من يعتقد أن الحل السياسي يأتي أولاً إنما هو يجرنا أكثر إلى الحالة اللبنانية، وهذا هو أكبر المخاطر التي تهدد مستقبل البحرين، وأخشى أن تخرج أطراف أخرى تريد أن تستنسخ تجربة الجمعية الانقلابية حين يكون لها ذراع عسكري، وهذه كارثة وطامة كبرى على دولة صغيرة مثل البحرين.