اقترن اسم «مدينة أصيلة» المغربية بموسمها الثقافي، ما جعلها محجاً ثقافياً دولياً، وقدم لها ضمانة الحفاظ على هويتها الحضارية وعمق تاريخها الأصيل. يعود الفضل في ذلك لمؤسس مهرجان أصيلة وزير خارجية المغرب الأسبق محمد بن عيسى، الذي سطر بمهرجانه واحدة من أروع أمثلة البر بالأوطان وقصائده؛ حيث مكنها من استقطاب النخب الفكرية والأدبية والفنية والإبداعية على اختلافها، إلى جانب النخب السياسية من شتى بقاع العالم. ناهيك عن نشاط السياحة فيها لما تملكه «أصيلة» من مقومات طبيعية مذهلة.
عزز ذلك اهتمام وزارة الثقافة المغربية بمستوى ما توليه من اهتمام للنشاط الثقافي بالمغرب على اختلاف أشكاله، الأمر الذي أكده عبدالحق أفندي مدير الفنون بوزارة الثقافة المغربية في تصريح له في إحدى المهرجانات، قال فيه؛ إن هذه الملتقيات «تستمد أهميتها وجدواها كفضاءات رحبة لاحتضان التنوع وتعميق الإدراك بفضائله كوضع طبيعي لاستتباب السلم وتحقيق التوازن والاستقرار وتوفير شروط النماء والازدهار»، مضيفاً أن المغرب الذي «يستمد وحدته وتماسكه واستقراره من تنوعه الثقافي الهائل وتعدده الاجتماعي الخلاق يسعى دائماً إلى تجسيد ذلك في محيطه الإقليمي والقاري والدولي».
كلمة أخرى قدمتها إحدى المدونات، قيل فيها؛ «مدينة أصيلة مدينة صغيرة، لكن إشعاعها أكبر من المدن الكبرى، مهرجان ثقافي أصيل، شوارع وأزقة نظيفة، بنى تحتية ثقافية مهمة، ملعب رياضي لا تتوفر عليه حتى أندية الدرجة الأولى، محج مهم لزمرة من الأدباء والمثقفين وصناع القرار سابقاً، أعتقد كل هذه الأشياء لم تأتِ بمحض الصدفة بل عن عمل جاد ورصين، أتمنى أن يتحلى مسؤولو المدن الأخرى بنفس جدية المسؤول عن مدينة أصيلة».
ومن حيث انتهت تلك الكلمة تأتي ضرورة نقل تجربة مدينة أصيلة إلى البحرين، ليس على المستوى الثقافي وحسب وإنما على كل الأصعدة، صحيح أن البحرين في تطور ونماء دائبين في الفترة الأخيرة، ولكن عجلة الزمان آخذة في الدوران بسرعة لا متناهية حيث سبقنا إلى المجد والتميز والتفرد كثيرون. باعتقادي.. الفرص مازالت سانحة، والمجالات كثيرة، والآفاق ممتدة إلى حد بعيد.
جميل جداً أن يكون لدينا مناطق تجارية بارزة نحو المنطقة الدبلوماسية وضاحية السيف، وطموح ذلك النزوع للمدينة الإعلامية.. ربما على غرار تلك التي في دبي، رائع أن تبذل وزارة الثقافة جهدها اللافت في الحفاظ على المقومات الثقافية والتراثية في مملكة البحرين، ولكن الأروع أن يكون حلماً كهذا مترسخاً في الضمير الوزاري في البحرين، مترسخاً في رجال الأعمال والمستثمرين في المملكة، بما يقود للعمل الجاد على ظهور مدن متخصصة بما يرقى لاستقطاب النخب في كافة المجالات وعلى المستوى الدولي، لتكون البحرين في مواسم متتالية ثرية بتنوعها.
موسم «فورمولا 1» مثلاً.. فرصة سانحة لتقديم باقة منوعة من البرامج الرياضية على اختلافها، وتسخير جميع الأندية الرياضية والساحات لتلك الأغراض، وتنفيذ عدد من المهرجانات بتلك المناسبة. مثل هذه الأفكار من المثمر الاستفادة منها في مجالات مختلفة بما يتناسب مع اهتمامات كل مؤسسة، وبما تشمله من أبعاد ثقافية وعلمية جادة تقيم من خلالها مؤتمرات وندوات وملتقيات مهمة وذات جودة علمية لافتة، باستضافة نخب علمية في كافة المجالات، إلى جانب فعاليات أخرى تتناسب وموضوع الموسم، تأخذ بعداً ترفيهياً يضفي مزيداً من المتعة وينشط عامل السياحة في البحرين.
من الجيد أيضاً تفعيل دور المنظمات الأهلية بكل مجالاتها، والارتقاء بمستوى أنشطتها بما يرقى لمستوى خليجي وإقليمي ودولي، ومد جسور التعاون شبكياً مع شريحة أكثر تنوعاً من مؤسسات الثقافة المحلية. ولكن الأهم هو تكاتف الجهود بما يهيئ الفرص لنجاح المشروعات والبرامج على اختلافها، من المهم أن يكون لوزارة الإعلام دور داعم باستمرار، أن يكون لوزارة الداخلية نشاط أكبر في حفظ واستتباب أمن المنطقة فضلاً عن دور الإدارة العامة للمرور بشكل رئيس في التنظيم. وزارة الأشغال، هيئة الكهرباء والماء، شركات الاتصال، كل ذلك من شأنه أن يسهم في تكوين القواعد اللازمة لتلك المشاريع والارتقاء بمستوى البنى التحتية.
مثل هذه الأذرع المتكاتفة لتنمية المملكة في كافة المجالات، بحاجة ماسة للإيمان بضرورة الارتقاء بالمملكة، بما يبوئها مكانة أفضل على كافة المستويات، وبما يخدم موقعها على الخريطة السياسية والأمنية كذلك.