ما يشهده العالم العربي والإسلامي يحمل وزره أطراف باتت أوراقها مكشوفة، فالأيادي الأمريكية والإسرائيلية ملطخة بالدماء العربية، والأصابع الإيرانية والتركية، إلى جانب النظام العراقي الحالي، لطالما عبثت دونما استحياء بالشرف العربي والكرامة العربية، وانتهكت من حقوقها بلا حدود.
في الآونة الأخيرة تجرعت الأمة العربية، خصوصاً الخليج، باقة متنوعة من الويلات الإيرانية بصمت أمريكي وعجز عربي، أفما آن الأوان بعد لربط ألسن الجعجعة وإجراء بعض عمليات المعالجة في الأدمغة للمعلومات المطروحة في الساحة، أوما آن أوان خوض الحروب الفكرية وتفعيل العقول العربية من أجل المواجهة بحنكة وسياسة؟
امتثلنا للديمقراطية ولحقوق الإنسان المزعومة، تجاوزنا على عقائدنا وثقافاتنا في كثير من الأمور للاقتداء بـ «الغرب النموذج»، تمادينا في التجرد من هوياتنا يوماً بعد يوم، فلم لا نصنع نموذجاً جديداً بعيون عربية وخليجية، من وحي ديمقراطيتهم، من أجل الحق المكتسب وبناء الحضارات والارتقاء بالأمم ونمائها ومن وحي «الفوضى الخلاّقة».
نعم؛ نحن عرب نقتدي بالغرب، ونتبع الغرب، ونستنير كذلك بتوجيهاته ورؤاه.. ونمتثل لسياساته بشكل أو بآخر.. فلمَ لا نقتدي به في فوضاه الخلاقة.. أوليس من الفطنة أن نقتدي بخططه وسياساته ونلعب لعبته.
ركزت الولايات المتحدة الأمريكية في مشروعها للفوضى الخلاقة على مشروع الشرق الأوسط الجديد، القائم على إعادة رسم الحدود الجغرافية وتفتيت الدول، ولكن.. هل فكرنا يوماً لو أعدنا ضبط العقول العربية وتحديث عقول الساسة العرب بما يواكب مستوى الصراع الطاحن في حربه الطاحنة، أولم نتعلم يوماً من ذلك التاريخ الزاخر بالخيبات كيف نتعلم من أخطائنا، وكيف نستفيد من تلك الأدوات التي صنعها العدو لمقاتلتنا؟ إنها الفوضى الخلاقة.. ببساطة!
صحيح أن «لو» تفتح عمل الشيطان.. ولكني أستغل الموسم الرمضاني لتقديم عصارة فكري دونما شيطان لعوب أو عابث يمد أصابعه ليحرك بعض الأفكار عن مسارها أو يخرج الألفاظ إلى غير ما أردت من معنى، إن «لو» ولو كانت باباً للشيطان؛ فلعل صوت الانتقام والثأر عمل شيطاني كذلك، ولكنه مشروع -كما أعتقد- إنه وجه آخر للدفاع عن النفس مع التحكم بمتغيرات الزمان في صنعها للحدث بدلا من ردود الفعل، ولعل صناعة الحدث الذي نتساءل حوله.. هو في حد ذاته رداً للفعل بعد سلسلة من العداءات الشرسة من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تجاه الوطن العربي وخليجه.
يركز مشروع الشرق الأوسط الجديد على إعادة رسم الحدود وتفتيت الدول، ولكن.. ماذا لو مارسنا نفس اللعبة.. وأصبح اللعب «ع المكشوف» باتجاهين.. أوليس ذلك ممتعاً وأكثر تفاعلاً من العداء أحادي الاتجاه؟! دعونا نفكر ملياً.. ماذا لو فكر أحدنا بتقسيم إيران مثلاً، مثلما تعمل إيران -بمباركة أمريكية- على تقسيمنا وتقويض قوانا؟ أولن يشكل تقسيم كهذا صفعة جديدة لأمريكا وانتقاماً يليق بعظمة وصنيع الجمهورية المدللة اللعوب «إيران»؟
جاءت الفوضى الخلاقة بموجب تلاقح الخطة الإسرائيلية التي وضعت في عام (1982) على يد «أوديد يينون»، وخطة «برنارد لويس» في تقسيم الشرق الأوسط، وهو ما يبرر القول بأنه لطالما عمل الغرب بقيادة إسرائيلية على تقديم الدعم اللوجستي لأكراد العراق.. حتى حان وقت مطالبتهم قبل أيام قلائل بالانفصال. نراقب الأحداث في الساحة العراقية اليوم بمرارة، وننظر لمطالبة أكراد العراق بالانفصال بألم واستياء، ونجتر آلام الفرقة والنزاع.
ترى.. ألا يمكن استثمار ذلك في استثارة الطموح الكردي لدى أكراد إيران وتركيا بالاستقلال والانفصال كذلك؟ أولا يستحق هذا الأمر شيئاً من الدعم الخليجي والعربي على نحو دعم السيسي لإنقاذ مصر مثلاً؟! أولا يمكن النظر لموضوع الأكراد ككلمة السر التي نفك بها شيفرة التماسك الإيراني والتركي والعمل على خلخلته؟!
ماذا لو كانت مطالبة الأكراد بالانفصال طريقا لانفصال أكراد ايران وتركيا، ماذا لو تخلصنا من السم التركي المنقوع وفتتتا تركيا من هذا المدخل قبل أن تعمل على تحقيق مشروع عثمنتها الجديد وهيمنتها الاستعمارية؟ الدولة العثمانية كذلك أذاقت الوطن العربي الويلات وجرعته السموم، أما آن أوان أن يذوق الطاهي من سمه اللذيذ المنقوع بالغدر؟!
ماذا لو أعدنا رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد بعيون خليجية وربما عربية؟ ماذا لو تمكنا من نزع عناصر الفتنة من أراضينا وتخلصنا من الأذرع الإسرائيلية بفن وحنكة، وجددنا سياسة الاحتواء من جديد لمن نحسبهم يشقون طريقهم نحو الانقسام الخليجي وشق صفوفه؟!
ماذا لو، و»لو» هنا عمل ملائكي يبدو أن مدينته الفاضلة لم تقم بعد، ماذا لو اتحد الخليج فعليا؟ ماذا لو لم تقف عُمان حجر عثرة في طريق الاتحاد باسلوب المواربة؟. ماذا لو لم يظهر الخلاف مع قطر؟ ماذا لو توصلنا لعقد اتفاقية اتحاد أمنية وعسكرية مع الأردن ومصر والمغرب؟ ماذا لو أسهم هذا الاتحاد في مشروع تقسيم إيران وتركيا؟! ماذا لو تبنى أحدهم مشروع التقسيم هذا، كما تتبنى أمريكا مشروع تقسيم الشرق الأوسط الجديد مع «خليلة الظلام» إيران، والزوجة الشرعية الملكية إسرائيل؟