لا أعرف لماذا تذكرني كل الأجواء المحيطة بجريمة شارلي إيبيدو، التي ندينها جميعاً، بأجواء ما بعد أحداث 11 سبتمبر. تلك الأحداث التي صار العالم بعدها ليس كما كان قبلها. فقد صار التدخل العسكري والاحتلال قضية لا تستدعي إذناً من مجلس الأمن، ولا تستوجب أدنى إحساس بالخجل الدولي.
من يصدق أن ثلة من المقاتلين البدائيين المتخندقيــن في كهوف أفغانستان يمتلكون القدرة على تدبير أحداث 11 سبتمبر؟ وأنهم تمكنوا من تجنيد العديد من الشباب، وبعضهم شباب متحرر، مثل اللبناني زياد سمير جراح، الذين دربتهم القاعدة على قيادة الطيارات واختطافها، واستطاعوا أن يخترقوا كل الإجراءات الأمنية في المطارات العالمية وتنفيذ عملية من أخطر عمليات القرن الحادي والعشرين؟. وعلى الرغم من المحاكمات الكثيرة التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من الاعتقالات الوفيرة التي شنتها غير أن أحداث 11 سبتمبر مازالت مليئة بالفجوات ومازالت لغزاً كونياً لم تحله أمريكا لنا. غير أن الجواب الوافي في هذه المسألة هو أن أفغانستان صارت مستعمرة أمريكية تجير كافة مواردها لصالح الأمريكان. وفيها دشنت أمريكا نظاماً استعمارياً جديداً عُرف بنظام (الكرزاي) نسبة إلى الرئيس الأفغاني الملحق بأمريكا حامد كرزاي.
ومن يصدق أن ثلة من المقاتلين البدائيين المتناثرين في صحاري اليمن وجبالها قادرون على الوصول إلى عمق باريس؟ ومن يصدق أن زيارة الأخوين الفرنسيين سعيد وشريف كواشي ذوي الأصول الجزائرية لليمن كانت كفيلة بتدريبهما على استخدام السلاح وتنفيذ عملية نوعية أمام مقر صحيفة شارلي إيبيدو؟ ولماذا يتبنى تنظيم القاعدة في اليمن هذه العملية علناً وقد شاهد مصير أسامة بن لادن وقد عاين مصير أنور العولقي؟ قضية ارتباط القاعدة فرع اليمن بحادثة شارلي إيبيدو يسكنها العديد من الفجوات وتكتنفها الكثير من الخيالات!!. وفي تعليقات المصادر الغربية على الحادثة صار تنظيم القاعدة في اليمن يوصف بأنه من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، وكأن داعش وأخواتها قد صارت نسياً منسياً!!
لليمن خصوصية كبيرة، فهي ذات موقع جغرافي خطير تطل به على بحرين ومحيط وبينهما مضيق باب المندب الذي لا تقل أهمية السيطرة عليه عن السيطرة على قناة السويس. في اليمن ثروات طبيعية هائلة لم يتم استغلالها، أو... تم تبديدها بين جحافل الفاسدين. بعد ثورة الربيع العربي 2011م، نمت الجماعات المنظمة المسلحة بأكثر مما كانت عليه بسبب الفوضى التي تكاد تكون فيها اليمن جغرافياً بلا دولة. فجماعة الحوثى أصبحت أكثر تمدداً وتأثيراً وتنظيم القاعدة أصبح حراً طليقاً تسير قوافله من المحافظات الجنوبية وتكاد تطرق باب صنعاء. وجماعات الحراك الجنوبي تحتشد حيناً وتتفرق أحياناً. واللاعبون الخارجيون في الداخل اليمني كثر ومتناقضون ومصالحهم متضاربة. وعلى الرغم من كل ذلك لم ينزلق اليمنيون إلى الحرب الأهلية الشاملة ولم يصل الوضع الأمني ما وصل إليه الحال في العراق وسوريا وليبيا، وبقي الوضع اليمني يراوح كما الحال اللبناني الراهن حرب ولا حرب دون المرور ببوابة الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة والقاسية. وهو أمر يدعو للعجب والإعجاب معاً!!
هل يمكن أن يكون الدور الوظيفي لحادثة شارلي إيبيدو هو حسم الوضع العسكري والجغرافي في اليمن لصالح المخططات الغربية التي كثيراً ما تداولتها وسائل الإعلام؟ هل ستدعم الدول الغربية فصيلاً ضد الآخر وبدعم إقليمي ما كما حدث في سوريا؟ هل سيشرع حلف الأطلسي بتدخل عسكري من نوع ما كما حدث في ليبيا؟ وما هي صيغة المشروع الغربي الخاص باليمن؟ الاحتلال... التقسيم... إنشاء قواعد عسكرية على المحيط الهندي ومضيق باب المندب؟ وما الهدف الحقيقي من استهداف اليمن إن تم ذلك؟ بدأ مشروع تفتيت المملكة العربية السعودية... خنق مصر التي أفلتت من يد المشروع الغربي بمعجزة الجيش المصري وتعكف الآن على تطوير الممر الملاحي لقناة السويس؟؟؟
كل هذه التوقعات قد تصيب وقد تخيب، ولكن مصير اليمن بعد مسيرة باريس التاريخية قد يكون مفتوحاً على الخيارات الدولية، وهو المصير الأخطر والمدمر الذي واجهته الدول العربية مثل العراق وليبيا وسوريا.