بات الجميع يترقب ما سيخرج عن اللجنة المختصة بالنظر في مخالفات ديوان الرقابة من بعد تصنيف المخالفات ومراجعتها، هذا الأمر مهم للغاية، خاصة من بعد أن حققت اللجنة نتائج طيبة في العام الماضي، بينما الناس تنتظر من اللجنة نتائج أفضل وأكبر هذا العام.
ليس هذا ما أنا بصدده اليوم؛ غير أن أموراً كثيرة تزاحمت علينا مؤخراً ولم يسلط عليها الضوء بشكل كاف، فتقرير ديوان الرقابة المالية الأخير صاحبه فتور إعلامي كبير، وجاء في توقيت تقديم برنامج عمل الحكومة إلى مجلس النواب، وسنحسن الظن ونقول إن هذه الأمور كلها جاءت (صدفة)..!
كما إن السادة النواب قالوا إنهم لن ينظروا الآن إلى تقرير ديوان الرقابة إلا بعد أن ينتهوا من برنامج عمل الحكومة، وهو أمر صحيح في ترتيب الأولويات، غير أن السادة النواب لديهم أمر آخر كبير أيضاً بعد برنامج عمل الحكومة، وهو الميزانية العامة للدولة، وأعتقد أنهم سيدخلون نفقاً طويلاً دون أن يشعروا، فقد دخله نواب سابقون في مجالس سابقة، بينما هم الآن لا يدركون ذلك.
تطرقت إلى نقطتين أحدهما تشغلان الناس وتحتاجان إلى تسليط ضوء أكبر، غير أني اليوم سوف أتطرق إلى نقاط أحسبها هامة تتعلق ببرنامج عمل الحكومة والميزانية العامة للدولة.
من أهم النقاط التي يجب أن تراجع وتوضع لها حلول وإجراءات موضوع المصروفات المتكررة، كأحد البنود الهامة في الميزانية العامة للدولة، هذا البند يحتاج إلى مراجعة كبيرة من الحكومة قبل النواب، لما فيه من أمور لا ينبغي أن تحدث اليوم ونحن نعاني من هبوط أسعار النفط ودين عام كبير.
نشرت الصحافة في العام الماضي تقارير حول المصروفات المتكررة في الميزانية، وكانت هذه التقارير بمثابة الفضيحة، كيف تنفق أموال طائلة وكبيرة على توافهه الأمور، وهذا الإنفاق الكبير يظهر أن هناك تلاعباً ما في هذا الجانب، وإن كان كذلك، فيجب أن يوقف هذا الأمر تماماً.
بل في الحكومات الديمقراطية العريقة تتم محاسبة من قام بصرف أموال الدولة في غير مكانها، وليس فقط وقف الأمر الخاطئ، بمعنى أن الأمر الخاطئ يوقف، وتتم محاسبة من قام به.
من باب الأمنيات لا غير؛ كنت أتمنى أن تطرح فكرة إنشاء شركة نصفها حكومي ونصفها من القطاع الخاص لإدارة موضوع «التنظيفات» وتديره جهة واحدة بالدولة؛ سواءً لوزارة البلديات أم لكل الوزارات بما فيها وزارة التربية والتعليم صاحبة الـ 37 مليون دينار لتنظيف مرافق الوزارة ومبانيها في خمس سنوات..!!
حتى تصبح هناك ميزانية واحدة فقط للنظافة، بدل أن تقوم كل وزارة بدفع «ملايين الدنانير» على التعاقد مع شركات النظافة، وهذه العقود ليست طبيعية في أرقامها، ولا تتصالح مع العقل والمنطق والواقع، وبالتالي تصبح «النظافة» إحدى بوابات هدر الميزانية.
أمور كثيرة تحتاج إلى مراجعات وإلى اتخاذ خطوات جادة ومسؤولة في التصدي لموضوع الإنفاق الخاطئ أو سوء الإنفاق، ولا نريد أن نقول فساداً، ولكن سوء إنفاق..!!
نقطة أخرى تتعلق بالمشاريع الكبيرة في وزارة الأشغال والبلديات، فما يطرح من مناقصات بأرقام كبيرة جداً أمر لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، سواءً من الحكومة أو من المجلس المنتخب، فهذه الأرقام فلكية، وفي دولة أخرى تقام ذات المشاريع وربما أكبر بميزانية أقل بكثير. الذي نحتاجه اليوم هو وقف التلاعب في موضوع المناقصات والعطاءات الثلاثة، يبدو أن هناك أموراً تحصل لا ينبغي أن تحصل، ويقال إن بعض المقاولين يتفقون على رفع الأسعار فيما بينهم، على أن تذهب المناقصات بينهم بالتداول، وإن كانت هذه المعلومة صحيحة، فهذا تلاعب من أجل أخذ أموال الدولة، ويجب وقفه وشطب أي مقاول يقوم بهذا العمل من قائمة المقاولين الذين تتعاقد معهم الدولة.
لو قمنا بوضع شركة تقيم قيمة المشاريع التي أقيمت بأرقام فلكية (طرق، مجاري، مستشفيات أو أية مشاريع أخرى تتبع وزارات أخرى) لتعطينا تقريراً عن القيمة الحقيقية لهذا المشروع بعد تقييمه من كل الجوانب، أعتقد أننا سنخرج بتقرير يحمل صدمة كبيرة، ذلك أن هناك مشاريع كثيرة أقيمت بينما كانت قيمة المناقصات لهذه المشاريع أكبر بكثير من المشروع المنجز على الأرض.
التحدي لتقليص الإنفاق من أجل وضع ميزانية تتسق مع انخفاض أسعار النفط أمر مطلوب، لكن لا يجب فقط التفكير في رفع الدعم عن منتجات تدعمها الدولة لتوفير المبالغ أو تقليص الإنفاق على مشاريع تتعلق بمعيشة الناس.
الواجب والتحدي اليوم هو النظر في كل الأمور التي ذكرت آنفاً وبها إنفاق خاطئ، هنا التحدي وهنا الإنجاز.
إيقاف الهدر المالي في غير محله مسؤولية الحكومة قبل النواب، حصر هذا الهدر هو أول الخطوات لتصحيح مسار «المصروفات المتكررة» التي ترهق كاهل الميزانية العامة.
هناك أفكار طرحتها قبل الآن، ولا بأس من التذكير بها مجدداً لما لها من أهمية كبيرة على مستقبل البحرين، وعلى تحويل المجتمع من مجتمع يفضل العمل الحكومي إلى مجتمع منتج يفضل إقامة مشاريع خاصة منتجة تدر دخلاً أكثر مما تدر الوظيفة الحكومية.
المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي أساس النهضة لبلد صغير مثل البحرين، هكذا بدأت النمور الآسيوية، من هنا فإنني أتمنى من الدولة والمجلس المنتخب أن ينظرا في تخصيص ميزانية محترمة تخصص لإقامة منطقة المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشاب، حتى تصبح هذه المشاريع هي قبلة العمل الإنتاجي للفرد وللدولة معاً.
بنك بيت التمويل الكويتي (البحرين) طرح برامج لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذه فكرة طيبة من هذا البنك، وهي مسؤولية مجتمعية تقع على القطاع المصرفي على أن تخفض نسبة الأرباح، إلا أن هذا البرنامج هو برنامج تمويلي رائع يدعم الاقتصاد الوطني، ويشجع الشباب على إقامة مشاريعهم الخاصة.
هناك ميزانيات عرضتها القمة الخليجية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهناك ميزانية من القمة العربية، والقمة الاقتصادية التي أقيمت بالكويت مؤخراً، كل هذه الأمور يجب أن تستفيد منها البحرين من أجل توظيف هذه الاتفاقات والميزانيات لخدمة الشاب وتحويل فكر الشباب من البحث عن «وظيفة مكتب» إلى البحث عن مشروع منتج، أكثر أهمية وأكثر دخلاً للفرد، ويساهم في نهضة الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي للدولة.
هناك ملايين إما ضائعة وإما مجمدة؛ فلدى وزارة العمل ملايين الدنانير تتعلق بميزانية التدريب لا نعرف من الذي يصرفها؟ وفي ماذا تصرف؟ وإلى من تذهب؟
بينما هناك ميزانية تدريب أخرى لدى «تمكين»، وهذه ازدواجية في برامج التدريب، وازدواجية أيضاً في اقتطاع مبالغ للتدريب من المؤسسات والتاجر.
من هنا فإن هذه الملايين يجب أن تُستغل لتدريب الشباب على هذه المشاريع ويكون هذا الأمر بموافقة أصحاب الأعمال والشركات التي تقتطع منها رسوم التدريب، أو إيجاد مخرج قانوني لذلك.
هذا المخرج القانوني يجب أن يتضمن تخصيص جزء من هذه الملايين لتمويل الشباب من أجل إقامة مشروعات خاصة نوعية تحتاجها البلد، ويحتاجها الاقتصاد ويحتاجها السوق.
البحرين تحتاج إلى خطة علمية مدروسة وشاملة ترتكز على تخصيص مبالغ وأراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يحتاجها السوق البحريني بعد دراسة الجدوى الاقتصادية، وليس بها تشبع، وليست مكررة، من أجل أن نصل إلى وضع أساسات المجتمع الشاب المنتج الذي يعتمد على نفسه وعمله الخاص في حياته ومستقبله ودخله.
طرحت هذه الفكرة مجدداً لأنني أجد أن هذا الموضوع يحتاج إلى أن تنظر له الحكومة الموقرة باهتمام كبير، وأن يسلط مجلس النواب أيضاً الضوء على هذه الأفكار التي من شأنها أن تضع البحرين على خارطة العمل الإنتاجي الخاص، بدل العمل الحكومي الجامد والمحدود الدخل.
إشارات الموت إلى متى..؟
وصلت إلى موقع الحادث الأليم أمس الأول عند تقاطع الرفاع فيوز مع الجامعة الملكية للبنات، وإذا بي أشاهد شاباً في مقتبل العمر مثل الورد ملقي خارج السيارة والدماء تسيل من رأسه في منظر مؤلم للغاية، بينما هناك ثلاثة شباب داخل السيارة فوق بعضهم البعض في وضع صعب ويصرخون من الألم، والناس تلقنهم الشهادة.
هذه إشارة الموت على شارع المعسكر، وقد كتب الكثير عن هذا الشارع، المرور ردت بأنها ثبتت كاميرات على الإشارات، وفي اعتقادي أن هذا لا يكفي، فالهدف الوقاية وليس المخالفات.
لدينا فوضى تخطي الإشارة الحمراء بالبحرين، وهذا كان سبب الحادث الأليم (الذي قيل إن السائق توفي فيما بعد) فإلى متى يا إدارة المرور ووزارة الأشغال هذا الإهمال لهذا الشارع؟ هل تريدون ضحايا جدداً؟
كل شيء وله حل، وأعتقد أن إزالة الدوارات كان أمراً خاطئاً، وهذا ساهم في زيادة السرعة، بينما لا يوجد قانون لتخطي الإشارة الحمراء ولا توجد دوريات مرورية على هذا الشارع.
الوضع جد خطير؛ ونناشد الأشغال والمرور كل فيما يعنيه أن يضعوا حلولاً سريعة قصيرة وبعيدة المدى للإشارتين على هذا الشارع أو أي موقع آخر في أي مكان من البحرين يكون خطراً على السائقين وتحصل به حوادث مميتة.
هذا نداؤنا إلى مدير المرور وإلى وزير الأشغال، علنا نرى تحركاً سريعاً يحفظ أرواح الشباب.