يدور حديث من وقت لآخر حول غياب قبول الآخر في البحرين، وأن هناك أطرافاً تحاول إثارة الصراع الطائفي بين المكونين الرئيسين في المجتمع وهما المكون السني والمكون الشيعي، ويتم تصوير الحديث بأنه صراع بين مطالب مكونين مختلفين لا يقبل أحدهما بالآخر، ولا يحاول الاستماع للآخر، بل كل يحاول إقصاء الآخر ونفيه والاستئثار بالثروات والمصالح والمكتسبات.
هذا الحديث جدل عقيم لا طائل منه، فالبحرينيون سنة وشيعة ليسوا بحاجة إلى قبول الآخر والانفتاح على بعضهم بعضاً، لأنها مسألة متوارثة وموجودة في هويتهم وتمشي في دمائهم أباً عن جد. وبالتالي محاولة تصوير الخلافات والصراعات السياسية بأنها صراعات طائفية محاولة فاشلة جداً.
البحرينيون احتاجوا نصف قرن لإعادة الثقة بين بعضهم بعضاً، وما أن وصلت هذه الثقة إلى مرحلة متقدمة حتى نسفت في العام 2011، أي بعد أكثر من 60 عاماً على آخر صراع دام بين السُنة والشيعة. لذلك فإننا لسنا على استعداد للانتظار نصف قرن أخرى حتى تعود الثقة من جديد.
ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أنه رغم الأحداث الدامية في الخمسينات إلا أن السنة والشيعة اتفقوا ضمنياً واجتماعياً على التعايش السلمي، وظلت العلاقات طبيعية بينهم على مدى هذه العقود الطويلة، فهناك التصاهر، وهناك التبادل التجاري، وهناك المصالح المشتركة، فضلاً عن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني التي تضم أبناء الطائفتين ومازالت ولم تمثل هذه مشكلة.
ولكن وضع خط وهمي مصطنع بأن هناك حالة من عدم قبول الآخر، وهناك إصرار على «تلوين طائفي للأحداث» كلها تعكس نزعات مريضة ومقيتة لدى من يطرحها، ولن تنتهي مثل هذه النزعات إلا عندما يكتشف من يطرحها بأنها مرفوضة ولا يمكن أن تمرر في مجتمع تعددي اعتاد التعايش السلمي لقرون بين مختلف مكوناته.
ما تم ويجري منذ فترة ليست مشكلة قبول البحريني للبحريني الآخر، وإنما هي مشكلة التطرف الذي قاد للأزمة الأخيرة وقاد لتداعياتها الراهنة التي يتجاوزها المجتمع الآن.
مجتمع البحرين ابتلي بمجموعة من الجماعات المتطرفة السنية والشيعية وهي التي عبثت بالأمن والاستقرار وتلاعبت بالسلم الأهلي، وحاولت المساس بالعلاقات الاجتماعية والثقة بين مكونات المجتمع. ولا يمكن فهم الأوضاع الراهنة في البحرين بعيداً عن مثل هذه الحقيقة.