قبل السفر إلى الصومال بأيام، جاءني اتصال من الإخوة الكرام بالمؤسسة الخيرية الملكية يقول لي بدون مقدمات: «أخوي هشام تروح ويانا الصومال؟»، فقلت بدون تردد: «نعم أروح..!».
الأخ المتصل ربما سألني هذا السؤال عطفاً على أوضاع الصومال الأمنية، وعطفاً على ما يقال من انتشار للأمراض في أفريقيا، إيبولا وغيرها، لكني أحب المغامرة ولا أخشاها، وقد ذهبنا قبل ذلك مع المؤسسة الخيرية الملكية إلى غزة في ظروف صعبة جداً، ولم يكن أحد يذهب إلى هناك، وكان الوفد البحريني أول الداخلين إلى غرة، حتى إن طوابير الشاحنات المنتظرة من دول عدة كانوا يستغربون كيف دخل الوفد البحريني وهم ينتظرون بالأسابيع.
رحلة الصومال كانت لهدف افتتاح مشاريع أهل البحرين في الصومال، من بعد أن قامت اللجنة الوطنية لمساعدة الصومال التي شكلها جلالة الملك حفظه الله وجزاه الله خيراً في 2011 برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد حفظه الله، من بعد المجاعة الكبيرة التي ضربت الصومال، وقد جمعت اللجنة تبرعات من المواطنين الكرام بلغت 8 مليون دولار، وكان التوجه لصرف هذه المبالغ على ثلاثة أوجه.
مساعدات غذائية وأدوية عاجلة تم إرسالها سريعاً إلى الصومال في ذلك الوقت، أما الجانب الثاني فكان لبناء جامعة الصومال الوطنية التي تم تدميرها، وبناء مستشفى لعلاج أمراض العيون المنتشرة والتي تسبب العمى، وقد أدخلت على المستشفى تخصصات أخرى أيضاً. أما الجانب الثالث فكان حفر 10 آبار مياه كبيرة في مناطق متفرقة، كل بئر بكلفة 100 ألف دولار، ويدوم هذا البئر قرابة العشرين عاماً ويغطي احتياجات عدد كبير من السكان، وهو ليس كالآبار الصغيرة وإنما بحجم كبير.
البعض أخذ يتهكم على مشاريع البحرين في الصومال، بينما هذه المشاريع لم تكن من ميزانية مملكة البحرين، وإنما هي من تبرعات أهل البحرين جزاهم الله خيراً لأهل الصومال بعد المجاعة، كما إن هذه المشاريع الإنسانية والخيرية نتمنى أن يحفظ الله بها البحرين، وتصبح مثل الصدقة الجارية عن شعبنا وقيادتنا.
الشكر أولاً وأخيراً إلى جلالة الملك الذي أمر بتشكيل اللجنة الوطنية لمساعدة أهل الصومال، والشكر إلى سمو الشيخ ناصر بن حمد على متابعته وتوجيهاته من أجل إتمام المشاريع في الوقت المحدد، برغم الصعوبات وحالة فقدان الأمن في السنوات الماضية.
والشكر موصول للدكتور مصطفى السيد الأمين العام للمؤسسة الخيرية الملكية على جهوده في تنفيذ توجيهات جلالة الملك وسمو الشيخ ناصر بن حمد، حتى يتم استغلال التبرعات أفضل استغلال وفي أمور دائماً مثل الجامعة والمستشفى، والشكر كذلك لفضيلة الشيخ عدنان القطان.
الرحلة إلى الصومال كانت طويلة، خصوصاً أنها كانت عن طريق إسطنبول، فالخطوط الجوية التركية فتحت خطاً إلى الصومال، وقد هبطنا ترانزيت لمدة ساعة في جمهورية جيبوتي.
لهذه المشاريع جنود مجهولين كانوا يخاطرون بأنفسهم بالذهاب إلى الصومال في ظروف حرجة، مثل الأخ الكريم إبراهيم دلهان الدوسري، والأخ الكريم عادل المحميد، جزاهم الله خيراً.
الصومال بلد جميل لولا أن الحروب وفقدان الأمن جعلته بلداً مدمراً، يقبع في نهاية الصف الأفريقي، فالصومال تمتلك ثروات طبيعية كبيرة جداً، فلديهم الثروة الحيوانية، فحين كنا نطوف بشوارع مقديشو شاهدنا الأغنام والعجول والأبقار في الشوارع تسرح وتستظل عند البيوت.
درس فقدان الأمن درس خطير جداً، وهذا الذي يسعى إليه الإرهابيون في البحرين، الأمن حجر زاوية، وفقدانه يعني دماراً للبلد، ودماراً للجميع.
لدى الصومال ثروة بحرية كبيرة، ولديهم أطول ساحل في أفريقيا بأكثر من 3 آلاف كيلومتر، حتى إن دول آسيوية وأوروبية ترسل بواخرها إلى المياه الصومالية لتصطاد الأسماك هناك وتذهب، فلا يوجد دولة فيما مضى في الصومال، ولا تملك الحكومة الحالية إمكانات لمراقبة 3 آلاف كيلو متر بحري.
حين سألنا الإخوة الصوماليين عن القراصنة، فقالوا نعم هناك قراصنة، وهنا عصابات وإجرام، لكن هؤلاء القراصنة أيضاً حموا المياه الإقليمية الصومالية ممن ينهبون ثروات بحر الصومال.
كما إن لدى الصومال ثروات زراعية، فأغلب الخضروات والفواكه تزرع هناك، ولدى الصومال تنوع مناخي، ولديهم نهران بشمال الصومال.
البلد شبه مهدم، فقد نالت منهم الحرب الأهلية، وحيكت على الصومال مؤامرات من دول الجوار ومن الغرب، فالغرب لا يريد دولة إسلامية في موقع استراتيجي تكون قوية وتصعد وتنهض ويصبح لها شأن.
المؤامرات التي تحاك على الصومال، هي ذاتها التي تحاك على السودان، حتى تم تفكيك السودان واقتطاع أراضيه.
كان أكبر درس لنا ونحن نجوب شوارع مقديشو هو درس تدمير البلد وتشريد الناس باسم الحرب الأهلية والاقتتال الأهلي من أبناء البلد الواحد، فقد أريقت الدماء وتم تدمير الدولة، حتى أصبحت سلطة السلاح في الشارع هي السلطة التي تتحكم في مصائر الناس.
لمن يسعى لخراب البلدان عليه أن يأخذ الدروس من تلك الدول، الصومال كانت جنة، وكانت مقصداً للسياح، فلديهم ساحل بحري جميل جداً، يشبه سواحل دول شرق آسيا (وكنت أود أن أقول يشبه سواحلنا، لكن لا سواحل لنا) غير أن الحرب الأهلية والاقتتال الأهلي دمر البلد، وجعل الدماء والأعراض مستباحة.
مررنا على مبنى مهدم، وكان معنا أحد الإخوة من الصومال فقال هذا مبنى (المجلس الأعلى للموز)..!
فقلت له المجلس الأعلى للموز؟
قال نعم، كان لدينا مجلس أعلى للموز، فالموز الصومالي من ألذ وأطيب أنواع الموز في العالم وتتهافت الشركات العالمية على استيراده، وكانت الصومال أكبر المصدرين له، فمثل ما لديكم مجالس للثروات في بلدانكم، نحن لدينا مجلس أعلى للموز.
وقد قال أحد الإخوة الصوماليين إن زعيم دولة خليجية يمتلك مزرعة كبيرة للموز بالصومال.
قلت لأحد الإخوة الصوماليين من بعد أن رأيت الغداء في الفندق دائماً يجمع وجبتين، الأرز والإسبغيتي، قلت له ما هي الوجبة الرئيسة لأهل الصومال، فقال المقتدرون يأكلون الأرز أو الإسبغيتي مع اللحم أو السمك، هذه وجبتنا الرئيسة أيام كانت الصومال بخير.
خلال تجولنا في مدينة مقديشو وجدنا لافتات على المباني الحكومية التي هدمت، أو بقي بعض أجزاء منها، واللافتات كتب عليها (المرحلة الثانية من إعادة إعمار الصومال / دولة الإمارات العربية المتحدة).
وللأمانة فإن هناك مشاريع كبيرة تقوم بها مشكورة دولة الإمارات العربية في الصومال، وهذا جزء من التزام الأشقاء بالإمارات الحبيبة تجاه الدول العربية التي تمر بأزمات أو حروب فجزاهم الله خيراً.
كما إن الإخوة في تركيا يقومون بأمور طيبة في الصومال، فهناك شركات تركية تقوم ببناء وتوسعة مطار مقديشو، فقد جاء الاهتمام التركي بالصومال بعد زيارة أوردغان للصومال، وقام بتوأمة بين بلدية إسطنبول، وبلدية مقديشو، فقد أنيرت بعض شوارع مقديشو من بعد الظلام الدامس بخبرات وشركات تركية عن طريق استخدام تقنية الطاقة الشمسية.
كما إن سيارات النظافة بالشوارع كانت حديثة، وكتب عليها عبارة هدية من الشعب التركي.
إذا ما استتب الأمن في الصومال، فإن هناك فرصاً واعدة كبيرة في هذا البلد، وإلا لما وجدت الأتراك والصينيين هناك، فالصين لديها طابق كامل في أفضل فنادق مقديشو، وهم يعلمون أن هذا البلد يمتلك ثروات كثيرة وفرصاً واعدة من أجل ذلك تواجدوا بحثاً عن موطئ قدم في بلد صاعد.
في بهو الفندق التقيت بالقنصل القطري، وكان رجلاً طيباً ودمث الخلق، جاء وسلم علينا ونحن لا نعرفه، لكن هو بادر فقد قال لي: يا أخوي شكلك خليجي، فقلت له نعم، لكن ما تعرفنا عليك، فقال أنا قنصل دولة قطر في مقديشو.
ثم قال إنتم من البحرين، فقلت نعم، فقال: «إي استخبرنا إن في وفد بحريني جاي، وإن مسوين مستشفى وجامعة هني».
فقلت له نعم، وهذا ليس عملاً سرياً، ولا نخبئ هذه الأمور، الموضوع معلن، إنه أمر عادي، كما إن هذه المشاريع هي تبرعات من أهل البحرين، وليست حكومية، وكان الأخ الكريم القنصل يقول حديثه بشكل أخوي، لكنه كان مازحاً بعض الشيء.
وللأمانة فقد وجه القنصل دعوة لجميع الوفد للغداء عنده، لكن ظروف الزيارة والوقت جعل مسؤولي الوفد يعتذرون له.
الشاهد من الأمر أن تبرعات أهل البحرين التي جمعت تم بها بناء مستشفى للعيون وقد شاهدناه ومررنا به، صحيح أنه تنقصه أموراً كثيرة، إلا أنه أقيم، وكذلك الجامعة أقيمت وتنقصها أموراً كثيرة نتمنى استكمالها، ونتمنى أن يأمر جلالة الملك حفظه الله بأن تستكمل كل النواقص في المستشفى وفي الجامعة، حتى يقوم المستشفى بدوره كاملاً، وكذلك الجامعة، فنحن لا نتمنى أن تكون مشاريع البحرين بها بعض النواقص، من هنا نأمل ونتمنى أن يأمر جلالة الملك حفظه الله ورعاه باستكمال كل مرافق المستشفى والجامعة، جعل الله كل هذا العمل في ميزان حسنات جلالته، وفي ميزان حسنات سمو الشيخ ناصر بن حمد حفظهما الله، وفي ميزان حسنات أهل البحرين.